وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ يَتْرُكُ الصَّاحِبُ اتِّبَاعَ مَا رَوَى لِوُجُوهٍ غَيْرِ تَعَمُّدِ الْمَعْصِيَةِ، وَهِيَ أَنْ يَتَأَوَّلَ فِيمَا رَوَى تَأْوِيلًا مَا اجْتَهَدَ فِيهِ فَأَخْطَأَ فَأُجِرَ مَرَّةً، أَوْ أَنْ يَكُونَ نَسِيَ مَا رَوَى فَأَفْتَى بِخِلَافِهِ؛ أَوْ أَنْ تَكُونَ الرِّوَايَةُ عَنْهُ بِخِلَافِهِ وَهُمَا مِمَّنْ رَوَى ذَلِكَ عَنْ الصَّاحِبِ؛ فَإِذْ كُلُّ ذَلِكَ مُمْكِنُ فَلَا يَحِلُّ تَرْكُ مَا اُفْتُرِضَ عَلَيْنَا اتِّبَاعُهُ مِنْ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا لَمْ يَأْمُرْنَا بِاتِّبَاعِهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ هَذِهِ الْعِلَلُ فَكَيْفَ وَكُلُّهَا مُمْكِنٌ فِيهِ؟ وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: هَذَا دَلِيلٌ عَلَى نَسْخِ الْخَبَرِ، لِأَنَّهُ يُعَارَضُ بِأَنْ يُقَالَ: كَوْنُ ذَلِكَ الْخَبَرِ عِنْدَ ذَلِكَ الصَّاحِبِ دَلِيلٌ عَلَى ضَعْفِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ بِخِلَافِهِ، أَوْ لَعَلَّهُ قَدْ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُمْ إنَّمَا يَحْتَجُّونَ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ إذَا وَافَقَتْ تَقْلِيدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَمَّا إذَا خَالَفَ قَوْلُ الصَّاحِبِ رَأْيَ أَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا فَأَهْوَنُ شَيْءٍ عِنْدَهُمْ إطْرَاحُ رَأْيِ الصَّاحِبِ وَالتَّعَلُّقُ بِرِوَايَتِهِ وَهَذَا فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى رِقَّةِ الدِّينِ وَقِلَّةِ الْوَرَعِ؟ فَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - رَوَتْ «فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى الْحَالَةِ الْأُولَى» . ثُمَّ رُوِيَ عَنْهَا مِنْ أَصَحِّ طَرِيقِ الْإِتْمَامِ فِي السَّفَرِ؛ فَتَعَلَّقَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ بِرِوَايَتِهَا وَتَرَكُوا رَأْيَهَا، إذْ خَالَفَتْ فِيهِ مَا رَوَتْ، وَهِيَ الَّتِي رَوَتْ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٍ» ثُمَّ أَنْكَحَتْ بِنْتَ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبُوهَا غَائِبٌ بِالشَّامِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ إذْ بَلَغَهُ أَشَدَّ الْإِنْكَارِ، فَخَالَفُوا رَأْيَهَا وَاتَّبَعُوا رِوَايَتَهَا. وَهِيَ الَّتِي رَوَتْ التَّحْرِيمَ بِلَبَنِ الْفَحْلِ ثُمَّ كَانَتْ لَا - تُدْخِلُ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَهُ نِسَاءُ إخْوَتِهَا، - وَتُدْخِلُ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَهُ بَنَاتُ أَخَوَاتِهَا، فَتَرَكُوا رَأْيَهَا وَاتَّبَعُوا رِوَايَتَهَا. وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ طَرِيقٍ لَا تَصِحُّ عَنْهُ: إيجَابَ الْقَضَاءِ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ صِيَامُ الدَّهْرِ وَإِنْ صَامَهُ وَأَنَّهُ لَا يَقْضِيهِ، فَتَرَكُوا الثَّابِتَ مِنْ رَأْيِهِ لِلْهَالِكِ مِنْ رِوَايَتِهِ. وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ فِي الْبَحْرِ «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» ثُمَّ رُوِّينَا عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute