للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَزْوَاجَ وَغَيْرَهُمْ أَنْ لَا يَمْنَعُوا النِّسَاءَ مِنْ الْمَسَاجِدِ؛ وَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ أَجَلُّ الْمَسَاجِدِ قَدْرًا.

وَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: ٩٧] ثُمَّ وَجَدْنَا الْأَسْفَارَ تَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ سَفَرًا وَاجِبًا، وَسَفَرًا غَيْرَ وَاجِبٍ؛ فَكَانَ السَّفَرُ الْوَاجِبُ بَعْضَ الْأَسْفَارِ بِلَا شَكٍّ، وَكَانَ الْحَجُّ مِنْ السَّفَرِ الْوَاجِبِ؛ فَلَمْ يَجُزْ أَخْذُ بَعْضِ الْآثَارِ دُونَ بَعْضٍ وَوَجَبَتْ الطَّاعَةُ لِجَمِيعِهَا وَلَزِمَ اسْتِعْمَالُهَا كُلُّهَا وَلَا بُدَّ: فَهَذَا هُوَ الْفَرْضُ، وَكَانَ مَنْ رَفَضَ بَعْضَهَا وَأَخَذَ بَعْضَهَا عَاصِيًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَا سَبِيلَ إلَى اسْتِعْمَالِ جَمِيعِهَا إلَّا بِأَنْ يُسْتَثْنَى الْأَخَصُّ مِنْهَا مِنْ الْأَعَمِّ، وَلَا بُدَّ؛ فَكَانَ نَهْيُ الْمَرْأَةِ عَنْ السَّفَرِ إلَّا مَعَ زَوْجٍ، أَوْ ذِي مَحْرَمٍ عَامًّا لِكُلِّ سَفَرٍ؛ فَوَجَبَ اسْتِثْنَاءُ مَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ مِنْ إيجَابِ بَعْضِ الْأَسْفَارِ عَلَيْهَا مِنْ جُمْلَةِ النَّهْيِ، وَالْحَجُّ سَفَرٌ وَاجِبٌ فَوَجَبَ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ جُمْلَةِ النَّهْيِ.

فَإِنْ قَالُوا: بَلْ إيجَابُ الْحَجِّ عَلَى النِّسَاءِ عُمُومٌ فَيُخَصُّ ذَلِكَ بِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ السَّفَرِ إلَّا مَعَ زَوْجٍ أَوْ ذِي مَحْرَمٍ؟ قُلْنَا: هَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْأَخْبَارَ إنَّمَا جَاءَتْ بِالنَّهْيِ عَنْ كُلِّ سَفَرٍ جُمْلَةً لَا عَنْ الْحَجِّ خَاصَّةً، وَإِنَّمَا كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُعَارِضُوا بِهَذَا (أَنْ) لَوْ جَاءَتْ فِي النَّهْيِ عَنْ أَنْ تَحُجَّ الْمَرْأَةُ إلَّا مَعَ زَوْجٍ، أَوْ ذِي مَحْرَمٍ؛ فَكَانَ يَكُونُ حِينَئِذٍ اعْتِرَاضًا صَحِيحًا وَتَخْصِيصًا لِأَقَلِّ الْحُكْمَيْنِ مِنْ أَعَمِّهِمَا وَهَذَا بَيِّنٌ جِدًّا؟ وَبُرْهَانٌ آخَرُ -: وَهُوَ أَنَّ تِلْكَ الْأَخْبَارَ كُلَّهَا إنَّمَا خُوطِبَ بِهَا ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ، وَاَللَّاتِي لَهُنَّ الْمَحَارِمُ؛ لِأَنَّ فِيهَا إبَاحَةَ الْحَجِّ أَوْ إيجَابَهُ مَعَ الزَّوْجِ، أَوْ ذِي الْمَحْرَمِ بِلَا شَكٍّ؛ وَمِنْ الْمُحَالِ الْمُمْتَنِعِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ أَصْلًا أَنْ يُخَاطِبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَجِّ مَعَ زَوْجٍ أَوْ ذِي مَحْرَمٍ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا وَلَا ذَا مَحْرَمٍ، فَبَقِيَ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا وَلَا مَحْرَمَ عَلَى وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَيْهَا وَعَلَى خُرُوجِهَا عَنْ ذَلِكَ النَّهْيِ.

وَبُرْهَانٌ آخَرُ -: وَهُوَ مَا حَدَّثَنَاهُ حُمَامٌ قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَشْوَرِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْحُذَافِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ كِلَاهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ يَقُولُ: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَلَا تُسَافِرْ

<<  <  ج: ص:  >  >>