للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَأَحُجُّ عَنْ أَبِي؟ قَالَ: نَعَمْ، إنْ لَمْ تَزِدْهُ خَيْرًا لَمْ تَزِدْهُ شَرًّا» .

قَالُوا: فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ نَدْبٌ لَا فَرْضٌ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ مَيِّتًا، وَلَا أَنَّهُ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ وَلَا أَنَّهُ كَانَ حَجَّ الْفَرِيضَةِ؛ بَلْ إنَّمَا هُوَ سُؤَالٌ مُطْلَقٌ عَنْ الْحَجِّ عَنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ مُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْحَجِّ؛ فَأَجَابَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِإِبَاحَةِ ذَلِكَ؛ وَإِنَّمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ جَوَازُ الْحَجِّ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ وَلَا مَزِيدَ، وَهُوَ قَوْلُنَا.

وَأَمَّا تِلْكَ الْأَحَادِيثُ فَفِيهَا بَيَانٌ أَنَّهَا فِي الْحَجِّ الْفَرْضِ؛ وَأَيْضًا: فَلَيْسَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنْ لَمْ تَزِدْهُ خَيْرًا لَمْ تَزِدْهُ شَرًّا» بِمُخْرِجٍ لِذَلِكَ عَنْ الْفَرْضِ إلَى التَّطَوُّعِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ صِفَةُ كُلِّ عَمَلٍ مُفْتَرَضٍ أَوْ تَطَوُّعٍ إنْ لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ الْمَرْءِ فَإِنَّهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ لَا يُكْتَبُ لَهُ بِهِ سَيِّئَةٌ؛ فَبَطَلَ اعْتِرَاضُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ؟ وَقَالُوا: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: ٣٩] .

قَالَ عَلِيٌّ: هَذِهِ سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ بِلَا خِلَافٍ، وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ كَانَتْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَصَحَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ لَمْ يَجْعَلْ لِلْإِنْسَانِ إلَّا مَا سَعَى تَفَضَّلَ عَلَى عِبَادِهِ وَجَعَلَ لَهُمْ مَا سَعَى فِيهِ غَيْرُهُمْ عَنْهُمْ بِهَذِهِ النُّصُوصِ الثَّابِتَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>