للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ كُلُّ هَذِهِ الظُّنُونِ لَكَانَ هَذَا الْخَبَرُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَطَيَّبَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ بِطِيبٍ، فَيُقَالُ لَهُمْ: لِيَكُنْ أَيَّ طِيبٍ شَاءَ، هُوَ طِيبٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَأَنَّهُمْ يَكْرَهُونَ الطِّيبَ بِكُلِّ حَالٍ، فَكَمْ هَذَا التَّمْوِيهُ بِمَا هُوَ عَلَيْكُمْ؟ وَتُوهِمُونَ أَنَّهُ لَكُمْ، فَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَهُمْ يُعَارِضُونَ الْحَقَّ الْبَيِّنَ بِالظُّنُونِ وَالتَّكَاذِيبِ وَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ قَوْلُهَا " لَا يُشْبِهُ طِيبَكُمْ هَذَا " إنْ صَحَّ عَنْهَا: عَلَى أَنَّهُ أَطْيَبُ مِنْ طِيبِنَا، لَا يَجُوزُ غَيْرُ هَذَا لِقَوْلِهَا الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ عَنْهَا آنِفًا " أَنَّهَا طَيَّبَتْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَطْيَبِ الطِّيبِ ".

وَاعْتَرَضَ فِي ذَلِكَ مَنْ دَقَّقَ مِنْهُمْ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَطَافَ فِي نِسَائِهِ ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا.

قَالَ: فَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ اغْتَسَلَ فَزَالَ ذَلِكَ الطِّيبُ عَنْهُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْهَوَى وَمَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُكَابَرَةِ لِلْحَقِّ بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ، وَيُكَذِّبُ ظَنَّ هَذَا الظَّانِّ مَا رَوَاهُ كُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا قَبْلُ عَنْ عَائِشَةَ مِمَّنْ لَا يُعْدَلُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْتَشِرِ بِأَحَدٍ مِنْهُمْ لَوْ انْفَرَدَ، فَكَيْفَ إذَا اجْتَمَعُوا؟ مِنْ أَنَّهَا طَيَّبَتْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عِنْدَ إحْرَامِهِ وَلِإِحْلَالِهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ - وَمَا رَوَاهُ مَنْ رَوَاهُ مِنْهُمْ مِنْ أَنَّهَا رَأَتْ الطِّيبَ فِي مَفَارِقِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَ ثَالِثَةٍ مِنْ إحْرَامِهِ.

وَأَيْضًا: فَقَدْ صَحَّ بِيَقِينٍ لَا خِلَافَ فِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا أَحْرَمَ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ إثْرَ صَلَاةِ الظُّهْرِ؛ فَصَحَّ أَنَّ الطِّيبَ الَّذِي رَوَى ابْنُ الْمُنْتَشِرِ هُوَ طِيبٌ آخَرُ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ بِلَيْلَةٍ طَافَ فِيهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى نِسَائِهِ ثُمَّ أَصْبَحَ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ الْمُنْتَشِرِ؛ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِي حَدِيثِ ابْنِ الْمُنْتَشِرِ مُتَعَلِّقٌ، وَابْنُ الْمُنْتَشِرِ كُوفِيٌّ، فَيَا عَجَبًا لِلْمَالِكِيِّينَ لَا يَزَالُونَ يُضَعِّفُونَ رِوَايَةَ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَإِذَا وَافَقَتْهُمْ تَرَكُوا لَهَا الْمَشْهُورَ مِنْ رِوَايَاتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ؟ فَكَيْفَ وَلَيْسَتْ رِوَايَةُ ابْنِ الْمُنْتَشِرِ مُخَالِفَةً لِرِوَايَةِ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ؟ وَاحْتَجُّوا بِالْخَبَرِ الَّذِي فِيهِ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قِيلَ: مَنْ الْحَاجُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْأَشْعَثُ التَّفِلُ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>