للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعُمْرَةَ أَنْ يَتَجَاوَزُوا الْمَوَاقِيتَ إلَّا مُحْرِمِينَ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُحْرِمُوا قَبْلَهَا، فَصَحَّ أَنَّ لِلْمَوَاقِيتِ حُكْمًا غَيْرَ حُكْمِ مَا قَبْلَهَا.

قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا الِاحْتِجَاجُ فِي غَايَةِ الْغَثَاثَةِ، وَيُقَالُ لَهُمْ: [نَعَمْ] فَكَانَ مَاذَا؟ وَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ أَهْلُ الْمَوَاقِيتِ فَمَا وَرَاءَهَا إلَى مَكَّةَ هُمْ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؟ وَهَلْ هَذَا التَّخْلِيطُ إلَّا كَمَنْ قَالَ: وَجَدْنَا كُلَّ مَنْ كَانَ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطْلِقَ سَيْفَهُ - فِيمَنْ لَقِيَ - وَغَارَتَهُ؟ وَوَجَدْنَا مَنْ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَهُ أَنْ يُطْلِقَ سَيْفَهُ وَغَارَتَهُ، فَصَحَّ أَنَّ لِأَهْلِ [دَارِ] الْإِسْلَامِ حُكْمًا غَيْرَ حُكْمِ غَيْرِهَا فَوَجَبَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.

ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: إنَّ الْحَاضِرَ عِنْدَكُمْ يُتِمُّ الصَّلَاةَ، وَالْمُسَافِرُ يَقْصُرُهَا فَإِذَا كَانَ أَهْلُ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَالْجُحْفَةِ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ - وَهُمْ عِنْدَكُمْ يَقْصُرُونَ إلَى مَكَّةَ وَيُفْطِرُونَ - فَكَيْفَ يَكُونُ الْحَاضِرُ يَقْصُرُ وَيُفْطِرُ؟ وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنْ جَعَلَ مَنْ كَانَ فِي ذِي الْحُلَيْفَةِ سَاكِنًا مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَكَّةَ نَحْوُ مِائَتَيْ مِيلٍ، وَجَعَلَ مَنْ كَانَ سَاكِنًا خَلْفَ يَلَمْلَمُ لَيْسَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلَّا ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ مِيلًا، فَهَلْ فِي التَّخْلِيطِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا؟ وَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ؛ إذْ صَارَتْ الشَّرَائِعُ فِي دِينِ اللَّهِ - تَعَالَى - تُشَرَّعُ بِمِثْلِ هَذَا الرَّأْيِ وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ: فَتَخْصِيصُهُ ذَا طُوًى قَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَلَا نَعْلَمُ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ مَالِكٍ؟ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: فَإِنَّهُ بَنَى قَوْلَهُ هَاهُنَا عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ، وَقَوْلُهُ هُنَالِكَ خَطَأٌ فَبَنَى الْخَطَأَ عَلَى الْخَطَأِ - وَيُقَالُ لَهُمْ: أَنْتُمْ تَقُولُونَ: لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلْحَاضِرِ الْمُقِيمِ أَصْلًا وَيَجُوزُ لِمَنْ كَانَ عَلَى مِيلٍ وَنَحْوِهِ مِنْ مَنْزِلِهِ؛ فَهَلَّا جَعَلْتُمْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قِيَاسًا عَلَى مَنْ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ؟ وَهَذَا مَا لَا انْفِكَاكَ مِنْهُ، وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ: صَاحِبًا، لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَهُمْ يُشَنِّعُونَ بِهَذَا.

وَأَمَّا قَوْلُ سُفْيَانَ، وَدَاوُد: فَوَهْمٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - لَمْ يَقُلْ: حَاضِرِي مَكَّةَ، وَإِنَّمَا قَالَ تَعَالَى: {حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٩٦] فَسَقَطَتْ مُرَاعَاةُ مَكَّةَ هَاهُنَا،

<<  <  ج: ص:  >  >>