تَقْدِيمَ الزَّكَاةِ وَإِجَازَةِ أَصْحَابِهِ لِمَنْ نَذَرَ صِيَامَ يَوْمِ الْخَمِيسِ فَصَامَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ قَبْلَهُ أَجْزَأَهُ ثُمَّ لَا يُجِيزُونَ هَدْيَ الْمُتْعَةِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّهُ لَا يُجْزِئُ إلَّا بِمَكَّةَ أَوْ مِنًى فَإِنَّ قَوْمًا قَالُوا: يُجْزِئُ فِي كُلِّ بَلَدٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - لَمْ يَحُدَّ مَوْضِعَ أَدَائِهِ فَهُوَ جَائِزٌ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ - تَعَالَى - قَصْرَهُ عَلَى مَكَان دُونَ مَكَان لَبَيَّنَهُ كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: ٩٥] وَلَمْ يَقُلْ فِي هَدْيِ الْمُتْعَةِ، وَلَا فِي هَدْيِ الْمُحْصِرِ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: ٦٤] .
فَإِنْ قِيلَ: نَقِيسُ الْهَدْيَ عَلَى الْهَدْيِ فِي ذَلِكَ؟ قُلْنَا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّهُ إنْ صَحَّحْتُمْ قِيَاسَكُمْ هَدْيَ الْمُتْعَةِ عَلَى هَدْيِ جَزَاءِ الصَّيْدِ لَزِمَكُمْ أَنْ تَقِيسُوهُ عَلَيْهِ فِي تَعْوِيضِ الْإِطْعَامِ مِنْ الْهَدْيِ وَالصِّيَامِ فِي هَدْيِ الْمُتْعَةِ وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ هَذَا؛ فَظَهَرَ فَسَادُ قِيَاسِكُمْ وَتَنَاقُضُهُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَكِنَّ الْحُجَّةَ فِي ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَالَ: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: ٣٢] {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: ٣٣] .
وَقَالَ - تَعَالَى -: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} [الحج: ٣٦] .
فَجَاءَ النَّصُّ بِأَنَّ شَعَائِرَ اللَّهِ - تَعَالَى - {مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: ٣٣] وَأَنَّ الْبُدْنَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ {مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: ٣٣] وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ فِي أَنَّ حُكْمَ الْهَدْيِ كُلِّهِ كَحُكْمِ الْبُدْنِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ نَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «قَدْ نَحَرْتُ هُنَا، وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ» .
نَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ نَا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا مُسَدَّدٌ نَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ عِنْدَ الْمَنْحَرِ: هَذَا الْمَنْحَرُ، وَفِجَاجُ مَكَّةَ كُلُّهَا مَنْحَرٌ»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute