للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي مِنًى: هَذَا الْمَنْحَرُ، وَفِجَاجُ مِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ» فَصَحَّ أَنَّهُ حَيْثُمَا نُحِرَتْ الْبُدْنُ، وَالْإِهْدَاءُ مِنْ فِجَاجِ مَكَّةَ وَمِنًى - وَهُوَ الْحَرَمُ كُلُّهُ - فَقَدْ أَصَابَ النَّاحِرُ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَحْرُ الْبُدْنِ وَالْهَدْيِ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ إلَّا مَا خَصَّهُ النَّصُّ مِنْ هَدْيِ الْمُحْصِرِ، وَهَدْيِ التَّطَوُّعِ إذَا عَطِبَ قَبْلَ بُلُوغِهِ مَكَّةَ.

وَرُوِّينَا عَنْ طَاوُسٍ، وَعَطَاءٍ قَالَا: كُلُّ مَا كَانَ مِنْ هَدْيٍ فَهُوَ بِمَكَّةَ، وَالصِّيَامُ وَالْإِطْعَامُ حَيْثُ شِئْتَ - وَعَنْ مُجَاهِدٍ: انْحَرْ حَيْثُ شِئْت.

وَأَمَّا قَوْلُنَا: وَمَنْ كَانَ أَهْلُهُ سَاكِنِينَ فِي الْحَرَمِ؟ فَلَا يَلْزَمُهُ فِي تَمَتُّعِهِ هَدْيٌ وَلَا صَوْمٌ، وَهُوَ مُحْسِنٌ فِي تَمَتُّعِهِ - وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ مُسِيءٌ فِي تَمَتُّعِهِ -: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٩٦] .

قَالَ عَلِيٌّ: فَقَالَ الْمُخَالِفُونَ: لَوْ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَرَادَ مَا قُلْتُمْ لَقَالَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؛ فَصَحَّ أَنَّ الْمُتْعَةَ إنَّمَا هِيَ لِغَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْسَ كَمَا قَالُوا؛ لِأَنَّ الْهَدْيَ أَوْ الصَّوْمَ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي التَّمَتُّعِ إنَّمَا هُوَ نُسُكٌ زَائِدٌ وَفَضِيلَةٌ وَلَيْسَ جَبْرًا لِنَقْصٍ كَمَا ظَنَّ مَنْ لَا يُحَقِّقُ؛ فَهُوَ لَهُمْ لَا عَلَيْهِمْ.

بُرْهَانُ صِحَّةِ ذَلِكَ -: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ، وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، وَلَأَحْلَلْتُ» أَوْ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ فَأَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِفَضْلِ الْمُتْعَةِ، وَأَنَّهَا أَفْضَلُ أَعْمَالِ الْحَجِّ، وَأَسْقَطَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - الْهَدْيَ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَالصَّوْمَ فِيهَا لِمَا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ، وَظَاهِرُهُ الرِّفْقُ بِهِمْ، لِأَنَّهُ لَا شَكَّ فِي أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - لَوْ كَلَّفَهُمْ ذَلِكَ لَكَانَ حَرَجًا عَلَيْهِمْ لِسُهُولَةِ الْعُمْرَةِ عَلَيْهِمْ وَلِإِمْكَانِهَا لَهُمْ كُلَّ يَوْمٍ بِخِلَافِ أَهْلِ الْآفَاقِ.

وَقَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥] .

وَيُبْطِلُ قَوْلَ الْمُخَالِفِ: أَنَّ الْآيَةَ لَوْ كَانَتْ كَمَا ظَنَّ لَحُرِّمَتْ الْعُمْرَةُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>