للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَحِيحَةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا تَابِعٍ؛ وَلَا قِيَاسٍ.

وَاحْتَجَّ لَهُ بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ بِأَنَّهُ عَوَّلَ عَلَى قَوْلِ عَطَاءٍ فِي الْمَرْأَةِ تَحِيضُ بَعْدَ أَنْ طَافَتْ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ -: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ غَيْرُ الْمُتْعَةِ، وَقَوْلُ عَطَاءٍ أَيْضًا فِيهَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ «أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْحَائِضَ أَنْ لَا تَطُوفَ بِالْبَيْتِ» وَلِأَنَّهُ تَقْسِيمٌ بِلَا دَلِيلٍ أَصْلًا وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: إنَّ الْمُعْتَمِرَ - الَّذِي مَعَهُ الْهَدْيُ - الْمُرِيدَ الْحَجَّ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْ حَجِّهِ فَإِنَّهُ بَنَى عَلَى الْآثَارِ الْوَارِدَةِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَمْرِهِ مَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ بِالْبَقَاءِ عَلَى إحْرَامِهِ، وَمَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ بِالْإِحْلَالِ؛ وَالِاحْتِجَاجُ بِهَذِهِ الْآثَارِ لِقَوْلٍ أَبِي حَنِيفَةَ جَهْلٌ مُظْلِمٌ وَقَوْلٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ، أَوْ تَعَمُّدٌ - مِمَّنْ يَعْلَمُ الْكَذِبَ - عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكِلَاهُمَا بَلِيَّةٌ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ تِلْكَ الْآثَارِ إنَّمَا وَرَدَتْ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ مَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ مِنْ الْمُفْرِدِينَ لِلْحَجِّ وَالْقَارِنِينَ بِالْإِحْلَالِ، وَأَمَرَ مَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ بِأَنْ يَقْرِنَ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ؛ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ مُعْتَمِرًا لَمْ يُقْرِنْ بِالْبَقَاءِ عَلَى إحْرَامِهِ؛ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي ذِكْرِنَا عَمَلَ الْحَجِّ مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا.

وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي تَفْرِيقِهِ بَيْنَ بَقَاءِ شَيْءٍ مِنْ السَّعْيِ لِعُمْرَتِهِ حَتَّى يَهُلَّ هِلَالُ شَوَّالٍ فَلَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلَا لَهُ أَيْضًا مُتَعَلَّقٌ فِي ذَلِكَ لَا بِقُرْآنٍ، وَلَا بِسُنَّةٍ، وَلَا بِرِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا سَقِيمَةٍ، وَلَا بِقَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا تَابِعٍ وَلَا قِيَاسٍ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا: لَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا هِيَ آرَاءٌ مَحْضَةٌ فَوَجَبَ النَّظَرُ فِي سَائِرِ الْأَقْوَالِ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ -: أَحَدُهَا: مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَالثَّانِي: مَنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى حَجَّ أَوْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ أَوْ أَبْعَدَ مِنْ بَلَدِهِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ؛ وَالثَّالِثُ: مَنْ اعْتَمَرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثُمَّ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ؛ وَالرَّابِعُ: هَلْ الْمُتَمَتِّعُ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ كَمَا قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَمْ لَيْسَ هَذَا مُتَمَتِّعًا؟ -: فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ هَذَا فَوَجَدْنَا غَيْرَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -] قَدْ خَالَفُوهُ؛ وَوَجَدْنَاهُ قَوْلًا بِلَا دَلِيلٍ؛ بَلْ الدَّلِيلُ قَائِمٌ عَلَى خَطَئِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - سَمَّى مَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إدْرَاكِ الْحَجِّ حَتَّى فَاتَ وَقْتُهُ: مُحْصَرًا، وَلَمْ يُسَمِّهِ: مُتَمَتِّعًا - وَفَرَّقَ بَيْنَ حُكْمِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>