إحْلَالِهِ مِنْهَا ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ وَلَمْ يَبْرَحْ حَتَّى حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا وَلَا صَوْمَ؛ وَقَدْ أَسْقَطَ أَحَدَ السَّفَرَيْنِ.
وَكَذَلِكَ مَنْ قَصَدَ إلَى مَا دُونَ التَّنْعِيمِ دَاخِلَ الْعَامِ لِحَاجَةٍ فَلَمَّا صَارَ هُنَالِكَ - وَهُوَ لَا يُرِيدُ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً - بَدَا لَهُ فِي الْعُمْرَةِ فَاعْتَمَرَ مِنْ التَّنْعِيمِ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ؛ ثُمَّ أَقَامَ حَتَّى حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ وَلَا صَوْمَ عِنْدَهُمَا؛ وَهُوَ قَدْ أَسْقَطَ السَّفَرَيْنِ جَمِيعًا سَفَرَ الْحَجِّ وَسَفَرَ الْعُمْرَةِ.
ثُمَّ يَقُولَانِ فِيمَنْ حَجَّ بَعْدَهُ بِسَاعَةٍ إثْرَ ظُهُورِ هِلَالِ شَوَّالٍ فَاعْتَمَرَ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْبَيْدَاءِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ بَرِيدٍ مِنْ الْمَدِينَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، أَوْ إلَى مَدِينَةِ الْفُسْطَاطِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة عِنْدَ مَالِكٍ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ: فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ أَوْ الصَّوْمُ، وَهُوَ لَمْ يُسْقِطْ سَفَرًا أَصْلًا؛ فَظَهَرَ فَسَادُ هَذِهِ الْعِلَّةِ الَّتِي لَا عِلَّةَ أَفْسَدَ مِنْهَا، وَلَا أَبْطَلَ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ.
وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ مِمَّنْ يَرَى الْهَدْيَ فِي الْقِرَانِ بِأَنْ قَالَ: قَدْ صَحَّ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَعِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُمْ سَمَّوْا الْقِرَانَ: تَمَتُّعًا، وَهُمْ الْحُجَّةُ فِي اللُّغَةِ؛ فَإِذْ الْقِرَانُ تَمَتُّعٌ فَالْهَدْيُ فِيهِ، أَوْ الصَّوْمُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ فِي إيجَابِ ذَلِكَ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يَخْتَلِفُ هَؤُلَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَا غَيْرُهُمْ فِي أَنَّ عَمَلَ الْمُهِلِّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ مَعًا هُوَ عَمَلٌ غَيْرُ عَمَلِ الْمُهِلِّ بِعُمْرَةٍ فَقَطْ، ثُمَّ يَحُجُّ مِنْ عَامِهِ بِإِهْلَالٍ آخَرَ مُبْتَدَأً؛ فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَالْمَرْجُوعُ إلَيْهِ هُوَ بَيَانُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَبْكَ أَنَّ كِلَيْهِمَا يُسَمَّى تَمَتُّعًا إلَّا أَنَّهُمَا عَمَلَانِ مُتَغَايِرَانِ.
فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا الْحَدِيثَ الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، فَكَانَ مِنْ النَّاس مَنْ أَهْدَى فَسَاقَ الْهَدْيَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حُرِمَ مِنْهُ حَتَّى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute