للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كُلِّ شَيْءٍ - وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا إذَا حَلَّ الْمُحْصِرُ قَبْلَ نَحْرِ هَدْيِهِ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ آخَرُ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فَأُحْصِرَ: عَلَيْهِ أَنْ يَبْعَثَ بِثَمَنِ هَدْيٍ فَيُشْتَرَى لَهُ بِمَكَّةَ فَيُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَيَحِلُّ، وَعَلَيْهِ عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا أَقَامَ مُحْرِمًا حَتَّى يَجِدَ هَدْيًا وَلَهُ أَنْ يُوَاعِدَهُمْ بِنَحْرِهِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ قَالَ: وَالْمُعْتَمِرُ يَنْحَرُ هَدْيَهُ مَتَى شَاءَ، وَالْإِحْصَارُ عِنْدَهُ بِالْعَدُوِّ، وَالْمَرَضِ، وَبِكُلِّ مَانِعٍ سِوَاهُمَا سَوَاءٌ سَوَاءٌ، فَإِنْ تَمَادَى مَرَضُهُ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ فَكَمَا قُلْنَا - وَإِنْ هُوَ أَفَاقَ قَبْلَ وَقْتِ الْحَجِّ لَمْ يَجْزِهِ ذَلِكَ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ كَمَا كَانَ؛ فَإِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا فَأَفَاقَ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى إدْرَاكِ الْهَدْيِ الَّذِي بَعَثَ مَضَى وَقَضَى عُمْرَتَهُ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ حَلَّ إذَا نَحَرَ عَنْهُ الْهَدْيَ.

وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ فَإِنَّهُ يَنْحَرُ هَدْيَهُ حَيْثُ حُبِسَ وَيُحِلُّ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يَحُجَّ قَطُّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ، فَإِنْ لَمْ يُهْدِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لَا يَلْزَمُهُ الْهَدْيُ إلَّا أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا مَعَهُ قَدْ سَاقَهُ مَعَ نَفْسِهِ، فَإِنْ أُحْصِرَ بِغَيْرِ عَدُوٍّ لَكِنْ بِحَبْسٍ، أَوْ مَرَضٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يُحِلُّ إلَّا بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، وَلَوْ بَقِيَ كَذَلِكَ إلَى عَامٍ آخَرَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ، أَوْ بِسِجْنٍ فَإِنَّهُ يُهْدِي وَيُحِلُّ حَيْثُ كَانَ مِنْ حِلٍّ، أَوْ حَرَمٍ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ إلَّا إنْ كَانَ لَمْ يَحُجَّ قَطُّ وَلَا اعْتَمَرَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ وَيَعْتَمِرَ؛ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى هَدْيٍ فَفِيهَا قَوْلَانِ - أَحَدُهُمَا: لَا يَحِلُّ إلَّا حَتَّى يُهْدِيَ؛ وَالْآخَرُ يُحِلُّ، وَالْهَدْيُ دَيْنٌ عَلَيْهِ - وَقَدْ قِيلَ: عَلَيْهِ إطْعَامٌ، أَوْ صِيَامٌ - إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْهَدْيِ - فَإِنْ أُحْصِرَ بِغَيْرِ عَدُوٍّ أَوْ حَبْسٍ لَمْ يُحِلَّهُ إلَّا الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، فَإِنْ لَمْ يُفِقْ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ طَافَ، وَسَعَى، وَحَلَّ، وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْمُحْصِرِ بِعَدُوٍّ، وَبِغَيْرِ عَدُوٍّ فَفَاسِدٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَا قَبْلُ وَأَمَّا إسْقَاطُ الْهَدْيِ عَنْ الْمُحْصِرِ بِعَدُوٍّ، أَوْ غَيْرِهِ فَخِلَافٌ لِلْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: ١٩٦] وَأَمَّا إيجَابُ الْقَضَاءِ فَخَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ نَصٌّ.

فَإِنْ قِيلَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ اعْتَمَرَ بَعْدَ عَامِ الْحُدَيْبِيَةِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَنَحْنُ لَمْ نَمْنَعْ مِنْ الْقَضَاءِ عَامًا آخَرَ لِمَنْ أَحَبَّ، وَإِنَّمَا نَمْنَعُ مِنْ إيجَابِهِ فَرْضًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ، وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

<<  <  ج: ص:  >  >>