وَقَدْ صَحَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ عَلَى الْمُسْلِمِ إلَّا حَجَّةً وَاحِدَةً وَعُمْرَةً فِي الدَّهْرِ، فَلَا يَجُوزُ إيجَابُ أُخْرَى، إلَّا بِقُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ تُوجِبُ ذَلِكَ فَيُوقَفُ عِنْدَ ذَلِكَ.
وَأَمَّا الْقَوْلُ بِبَقَاءِ الْمُحْصِرِ بِمَرَضٍ عَلَى إحْرَامِهِ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ، فَقَوْلٌ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ، وَلَا أَوْجَبَهُ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ بَلْ هُوَ خِلَافُ الْقُرْآنِ كَمَا أَوْرَدْنَا - وَالصَّحَابَةُ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فِي الْعُمْرَةِ خَاصَّةً وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ أَفْتَى بِذَلِكَ فِي الْحَجِّ أَصْلًا.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: ٣٣] ؟ قُلْنَا نَعَمْ، وَلَمْ يَقُلْ تَعَالَى: إنَّ الْمُحْصِرَ لَا يُحِلُّ إلَّا بِالطَّوَافِ.
وَاَلَّذِي قَالَ {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: ٣٢] {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: ٣٣] هُوَ الَّذِي قَالَ {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: ١٩٦] .
وَهُوَ الَّذِي أَمَرَ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُحِلَّ وَيَرْجِعَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ فِي عُمْرَتِهِ الَّتِي صُدَّ فِيهَا عَنْ الْبَيْتِ، وَلَا يَحِلُّ ضَرْبُ أَوَامِرِهِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ؟ وَأَمَّا الْقَوْلُ: بِبَعْثِهِ هَدْيًا يَحِلُّ بِهِ، فَقَوْلٌ لَا يُؤَيِّدُهُ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَالصَّحَابَةُ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ كَمَا أَوْرَدْنَا.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: ١٩٦] .
قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَيْسَ هَذَا فِي الْمُحْصَرِ وَحْدَهُ، بَلْ هُوَ حُكْمُ كُلِّ مَنْ سَاقَ هَدْيًا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ عَلَى عُمُومِ الْآيَةِ -: فَالْحَاجُّ، وَالْقَارِنُ إذَا كَانَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَدْ بَلَغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ مِنْ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ بِمَكَّةَ أَوْ بِمِنًى، فَلَهُ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ.
وَالْمُعْتَمِرُ إذَا أَتَمَّ طَوَافَهُ وَسَعْيَهُ فَقَدْ بَلَغَ هَدْيُهُ مَحِلَّهُ مِنْ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ بِمَكَّةَ فَلَهُ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute