قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ وَلَكَانُوا أَيْضًا قَدْ فَارَقُوا حُكْمَ الْقِيَاسِ فِي قَوْلِهِمْ هَذَا؛ أَمَّا كَوْنُهُ خَطَأً؛ فَلِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمْ الَّذِي لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ أَنَّ مَا خَرَجَ عَنْ حُكْمِ أَصْلِهِ مَخْصُوصًا أَنَّهُ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ، وَالْأَصْلُ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَى النَّاسِي وَالْمُخْطِئِ فَخَرَجَ عِنْدَهُمْ إيجَابُ الْكَفَّارَةِ وَالدِّيَةِ عَلَى قَاتِلِ الْمُؤْمِنِ خَطَأً عَنْ أَصْلِهِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يُقَاسَ عَلَيْهِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنْ لَا يَقِيسُوا حُكْمَ الْوَاطِئِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ نَاسِيًا عَلَى الْوَاطِئِ فِيهِ عَمْدًا فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِمَا، وَقَتْلُ الصَّيْدِ أَشْبَهُ بِالْوَطْءِ مِنْهُ بِقَتْلِ الْمُؤْمِنِ؛ لِأَنَّ قَتْلَ الْمُؤْمِنِ لَمْ يَحِلَّ قَطُّ ثُمَّ حُرِّمَ، بَلْ لَمْ يَزَلْ حَرَامًا مُذْ آمَنَ، أَوْ مُذْ وُلِدَ إنْ كَانَ وُلِدَ عَلَى الْإِسْلَامِ.
وَأَمَّا الْوَطْءُ وَقَتْلُ الصَّيْدِ فَكَانَا حَلَالَيْنِ، ثُمَّ حُرِّمَا بِالصَّوْمِ وَبِالْإِحْرَامِ فَجَمَعَتْهُمَا هَذِهِ الْعِلَّةُ فَأَخْطَئُوا فِي قِيَاسِ قَاتِلِ الصَّيْدِ خَطَأً عَلَى مَا لَا يُشْبِهُهُ.
وَأَمَّا مُخَالَفَتُهُمْ لِلْقِيَاسِ هُنَا فَإِنَّ الْحَنَفِيِّينَ مِنْ أَصْلِهِمْ أَنَّ الْكَفَّارَاتِ لَا يَجُوزُ أَنْ تُوجَبَ بِالْقِيَاسِ ثُمَّ أَوْجَبُوهَا هَاهُنَا بِالْقِيَاسِ؛ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ قَاسُوا الْخَطَأَ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ عَلَى الْخَطَأِ فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ فَأَوْجَبُوا الْجَزَاءَ فِي كِلَيْهِمَا وَلَمْ يَقِيسُوا قَتْلَ الْمُؤْمِنِ عَمْدًا عَلَى قَتْلِ الصَّيْدِ عَمْدًا فَأَوْجَبُوا الْكَفَّارَةَ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ عَمْدًا وَلَمْ يُوجِبُوهَا فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ عَمْدًا وَهَذَا تَنَاقُضٌ وَبَاطِلٌ.
وَأَيْضًا فَلَمْ يَقِيسُوا نَاسِي التَّسْمِيَةِ فِي التَّذْكِيَةِ عَلَى الْمُتَعَمِّدِ لِتَرْكِهَا فِيهَا مَعَ مَجِيءِ الْقُرْآنِ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ هُنَالِكَ؛ وَتَفْرِيقِ الْحُكْمِ هَاهُنَا.
وَالشَّافِعِيُّونَ فَرَّقُوا بَيْنَ النَّاسِي فِيمَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ وَبَيْنَ الْعَامِدِ، وَكَذَلِكَ فِي الصَّوْمِ وَسَاوَوْا هَاهُنَا بَيْنَ النَّاسِي وَالْعَامِدِ، وَهَذَا اضْطِرَابٌ شَدِيدٌ.
وَقَالُوا: لَيْسَ تَخْصِيصُ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَعَمِّدَ بِإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ بِمُوجَبِ أَنَّ الْمُخْطِئَ بِخِلَافِهِ وَذَكَرُوا مَا نَحْتَجُّ بِهِ نَحْنُ وَمَنْ وَافَقَنَا مِنْهُمْ مِنْ النُّصُوصِ فِي إبْطَالِ الْقَوْلِ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ -: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا جَهْلٌ شَدِيدٌ مِنْ هَذَا الْقَائِلِ، لِأَنَّنَا إذَا أَبْطَلْنَا الْقَوْلَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ لَمْ نُوجِبْ الْقَوْلَ بِالْقِيَاسِ بَلْ أَبْطَلْنَاهُمَا جَمِيعًا، وَالْقِيَاسُ: هُوَ أَنْ يُحْكَمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute