للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَلْقِ الرَّأْسِ لِلْأَذَى فِي الْإِحْرَامِ، فَإِذَا لَمْ يَنُصَّ تَعَالَى هُنَا عَلَى عَدَدٍ بِعَيْنِهِ وَلَا عَلَى صِفَةٍ بِعَيْنِهَا فَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ الصَّادِقَةِ أَنَّهُ لَمْ يُلْزِمْ فِي ذَلِكَ غَيْرَ مَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُ الْآيَةِ بِيَقِينٍ لَا مَجَالَ لِلشَّكِّ فِيهِ، وَلَا يُمْكِنُ سِوَاهُ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: كَقَوْلِنَا إلَّا أَنَّهُ قَالَ: مَا أُطْعِمُهُمْ وَأَيُّ مِقْدَارٍ أُطْعِمُهُمْ أَجْزَأَهُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {طَعَامُ مَسَاكِينَ} [المائدة: ٩٥] فَلَوْ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ لَأَجْزَأَ إطْعَامُ حَبَّةِ بَرَّةٍ لِمِسْكِينٍ، أَوْ حَبَّةَ خَرْدَلَةٍ، أَوْ وَزْنَ حَبَّةِ صَبْرٍ، أَوْ شَحْمَ حَنْظَلٍ، وَهَذَا بَاطِلٌ - لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش: ٤] .

وَذَكَرَ تَعَالَى عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ ذَكَرَ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي حَمْدِهِ إيَّاهُ هُوَ {يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ} [الشعراء: ٧٩] فَإِنَّمَا أَرَادَ عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ بِلَا شَكٍّ مَا أَمْسَكَ الْحَيَاةَ وَطَرَدَ الْجُوعَ مِمَّا يَحِلُّ أَكْلُهُ لَا مِمَّا يَحْرُمُ وَلَا مِمَّا هُوَ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ، فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ يُشْبِعُ ثَلَاثَ مَسَاكِينَ مِمَّا يَحِلُّ أَكْلُهُ - وَهَكَذَا نَقُولُ فِي الْإِطْعَامِ فِي كَفَّارَةِ قَتْلِ الْخَطَأِ، وَأَمَّا سَائِرُ مَا فِيهِ الْإِطْعَامُ فَقَدْ جَاءَ مِقْدَارُ مَا يُطْعِمُ فِيهِ مَنْصُوصًا وَهِيَ: أَرْبَعَةُ مَوَاضِعَ فَقَطْ، الْإِطْعَامُ فِي وَطْءِ الْأَهْلِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عَمْدًا، وَالْإِطْعَامُ فِي الظِّهَارِ، وَالْإِطْعَامُ فِي كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ، وَالْإِطْعَامُ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ لِلْمَرِيضِ الْمُحْرِمِ قَبْلَ مَحِلِّهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَأَمَّا قَوْلُنَا فِي الصِّيَامِ: فَإِنَّ الْإِشَارَةَ بِلَفْظَةِ ذَلِكَ إنَّمَا تَقَعُ فِي اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ الَّذِي بِهِ نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى أَبْعَدِ مَذْكُورٍ، وَكَانَ الصَّيْدُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَبْعَدَ مَذْكُورٍ فَلَزِمَ بِذَلِكَ عَدْلَهُ صِيَامًا، وَلَا يَكُونُ عَدْلُهُ أَصْلًا إلَّا كَمَا ذَكَرْنَا.

وَأَمَّا مَنْ قَوَّمَهُ قِيمَةً، ثُمَّ قَوَّمَ الْقِيمَةَ طَعَامًا، ثُمَّ رَأَى عَدْلَ ذَلِكَ صِيَامًا فَلَمْ يُوجِبْ عَدْلَ الصَّيْدِ وَإِنَّمَا أَوْجَبَ عَدْلَ قِيمَتِهِ وَلَيْسَ هَذَا فِي الْآيَةِ فَبَطَلَ الْقَوْلُ بِهِ [جُمْلَةً] .

ثُمَّ نَسْأَلُ مَنْ قَالَ بِتَقْوِيمِ الْهَدْيِ دَرَاهِمَ، أَوْ طَعَامًا؛ أَيُّ الْهَدْيِ تُقَوِّمَ؟ وَقَدْ يَخْتَلِفُ قِيَمُ النُّوقِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، فَأَيُّ نَاقَةٍ تُقَوَّمُ؟ أَمْ أَيُّ بَقَرَةٍ تُقَوَّمُ؟ أَمْ أَيُّ شَاةٍ؟ وَهَذَا إلْزَامٌ مُضْمَحِلٌّ بِلَا بُرْهَانٍ.

ثُمَّ نَقُولُ لِمَنْ قَالَ بِتَقْوِيمِ الصَّيْدِ: مَتَى تُقَوِّمُهُ؟ أَحَيًّا أَمْ مَقْتُولًا؟

<<  <  ج: ص:  >  >>