للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَحْكُمَانِ بِحُكْمِ يَوْمِهِمَا وَلَا يَنْظُرَانِ إلَى حُكْمِ مَنْ مَضَى، فَإِنَّ مَالِكًا، وَابْنَ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَسَنَ بْنَ حَيٍّ، وَالثَّوْرِيَّ قَالُوا: لَا بُدَّ لَهُ مِنْ اسْتِئْنَافِ تَحْكِيمِ حَكَمَيْنِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ مَالِكٌ: الْخِيَارُ إلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ لَا إلَى الْحَكَمَيْنِ؛ وَيَقُولُ لَهُمَا: لَا تَحْكُمَا عَلَيَّ إلَّا بِالْإِطْعَامِ إنْ شَاءَ أَوْ بِالصِّيَامِ إنْ شَاءَ، أَوْ بِالْجَزَاءِ إنْ شَاءَ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالْحَسَنُ، وَابْنُ حَيٍّ: الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ إلَى الْحَكَمَيْنِ لَا إلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ.

وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ لِلْحَكَمَيْنِ أَنْ يَحْكُمَا بِغَيْرِ حُكْمِ مَنْ مَضَى.

قَالَ ابْنُ حَيٍّ: إنْ كَانَ حُكْمُ الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ حُكْمِ مَنْ مَضَى؛ حُكِمَ بِحُكْمِ الْيَوْمِ، وَإِنْ كَانَ حُكْمُ الْيَوْمِ أَقَلَّ مِنْ حُكْمِ مَنْ مَضَى: حُكِمَ بِحُكْمِ مَنْ مَضَى.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، أَبُو سُلَيْمَانَ: لَا يَسْتَأْنِفُ الْحُكْمَ الْيَوْمَ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: إنَّمَا هُوَ مَا حَكَمَ بِهِ السَّلَفُ لَا يَجُوزُ تَجَاوُزُهُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاَللَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ مَا حَكَمَ بِهِ فِي ذَلِكَ ذَوَا عَدْلٍ مِنَّا فَإِذَا حَكَمَ اثْنَانِ مِنْ السَّلَفِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الطَّاعَةَ لِمَا حَكَمَا بِهِ فَاسْتِئْنَافُ تَحْكِيمِ آخَرَيْنِ لَا مَعْنَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ -: فَهُوَ عَمَلٌ فَارِغٌ فَاسِدٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ أَصْلًا.

ثُمَّ قَوْلُ مَالِكٍ: إنَّ الْخِيَارَ إلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ خَطَأً مُكَرَّرٌ، إذْ لَوْ وَجَبَ تَحْكِيمُ حَكَمَيْنِ لَا تَجِبُ طَاعَتُهُمَا فِيمَا حَكَمَا بِهِ مِمَّا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِمَا الْحُكْمَ بِهِ لَكَانَ ذَلِكَ عَمَلًا فَاسِدًا.

فَإِنْ مَوَّهُوا بِالْحَكَمَيْنِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَلَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ إلَيْهِمَا فُرْقَةً وَلَا إيجَابَ غَرَامَةٍ، وَإِنَّمَا جَعَلَ تَعَالَى إلَيْهِمَا الْإِصْلَاحَ لِيُوَفِّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُمَا فَقَطْ.

وَمِنْهَا أَنَّ بَعْضَ مَنْ ذَكَرْنَا رَأَى التَّحْكِيمَ فِي الْإِطْعَامِ، وَالصِّيَامِ، وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ التَّحْكِيمَ فِي ذَلِكَ إلَّا فِي الْجَزَاءِ بِالْهَدْيِ فَقَطْ هَذَا هُوَ نَصُّ الْآيَةِ، ثُمَّ الْقَائِلُ بِهَذَا قَدْ خَالَفَ مَا جَاءَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَغَيْرِهِ مِنْ الْحُكْمِ فِي الْإِطْعَامِ، وَالصِّيَامِ فَتَنَاقَضَ.

وَمِنْهَا مِقْدَارُ الْإِطْعَامِ، وَالصِّيَامِ -: فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا أَنْ يُقَوَّمَ الْجَزَاءُ

<<  <  ج: ص:  >  >>