وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: يُطْعِمُ [لِكُلِّ مِسْكِينٍ] مُدًّا مُدًّا أَوْ يَصُومُ بَدَلَ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، وَقَوْلُهُمْ بِتَقْوِيمِ الصَّيْدِ لَا نَعْلَمُهُ قَبْلَهُمْ عَنْ أَحَدٍ وَإِنَّمَا قَالَ مَنْ ذَكَرْنَا قَبْلُ بِتَقْوِيمِ الْهَدْيِ وَهُوَ الْجَزَاءُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقَوَّمُ الْجَزَاءُ لَا الصَّيْدُ دَرَاهِمَ، ثُمَّ تُقَوَّمُ الدَّرَاهِمُ طَعَامًا فَيُطْعِمُ مُدًّا مُدًّا أَوْ يَصُومُ بَدَلَ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا.
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: الْإِطْعَامُ ثَلَاثَةُ آصُعَ لِسِتَّةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ، وَالصِّيَامُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَقَطْ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَدْ اخْتَلَفَتْ أَقْوَالُهُ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ بَعْضُهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ، وَكُلُّهَا قَدْ خَالَفَهَا أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ خِلَافَ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ، لِأَنَّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ التَّرْتِيبَ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ.
وَفِيهِ: أَنْ يُقَوِّمَ الْجَزَاءَ، وَلَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَلَا مَالِكٌ بِهِ.
وَفِيهِ: عَنْهُ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَكَانُ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا، وَلَا يَقُولُ مَالِكٌ، وَلَا الشَّافِعِيُّ بِهِ - وَأَمَّا قَوْلُهُ الثَّانِي فَكُلُّهُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ جُمْلَةً، وَلَا يُعْرَفُ فِيمَا ذَكَرْنَا لِابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
قَالَ عَلِيٌّ: لَمْ نَجِدْ لِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ بُرْهَانًا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا حُجَّةٍ إلَّا فِيهِمَا، وَلَا أَفْحَشُ قَوْلًا مِمَّنْ اسْتَسْهَلَ خِلَافَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِرَأْيِ نَفْسِهِ أَوْ بِرَأْيِ تَابِعٍ قَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْ التَّابِعِينَ، ثُمَّ يُنْكِرُ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ الْتِزَامًا لِلْقُرْآنِ، وَنَحْنُ رَاضُونَ مَسْرُورُونَ بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَنَا وَلَهُمْ لَا أَعْدَمَنَا اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِمَنِّهِ [وَفَضْلِهِ] آمِينَ.
وَالتَّابِعُونَ مُخْتَلِفُونَ كَمَا ذَكَرْنَا فَمَنْ تَعَلَّقَ بِبَعْضِ قَوْلَةٍ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ بِلَا نَصٍّ فِي ذَلِكَ فَقَدْ خَالَفَهُ نَفْسَهُ وَغَيْرُهُ مِنْ التَّابِعِينَ الْمَذْكُورِينَ فِي قَوْلَةٍ أُخْرَى فِي الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا، وَإِنَّمَا هُمْ سَبْعَةٌ فَقَطْ مُخْتَلِفُونَ مُتَنَازِعُونَ: مُجَاهِدٌ، وَعَطَاءٌ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَالْحَسَنُ، وَأَبُو عِيَاضٍ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانٍ.
وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، فَمَعَ اخْتِلَافِهِمْ وَتَنَازُعِهِمْ فَلَا بُرْهَانَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَاهُ لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا مِنْ تَابِعٍ مُوَافِقٍ لِلْوَاحِدِ مِنْهُمْ فِي قَوْلِهِ كُلِّهِ فِي ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute