وَأَمَّا اللَّيْثُ فَإِنَّهُ قَاسَ الصِّيَامَ فِي ذَلِكَ عَلَى الصِّيَامِ فِي قَتْلِ النَّفْسِ، وَلَقَدْ كَانَ يُلْزِمُ مَنْ قَاسَ إيجَابَ الْكَفَّارَةِ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ خَطَأً عَلَى وُجُوبِهَا فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ خَطَأً أَنْ يَقِيسَ الصِّيَامَ فِي هَذِهِ عَلَى الصِّيَامِ فِي ذَلِكَ كَمَا فَعَلَ اللَّيْثُ، وَلَا سِيَّمَا مَنْ لَمْ يُبْلِغْ دِيَةَ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ إلَى دِيَةِ الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ، وَمَنْ جَعَلَ لِلْفَرَسِ سَهْمًا، وَقَالَ: لَا أُفَضِّلُ بَهِيمَةً عَلَى إنْسَانٍ، ثُمَّ فَضَّلَ الْبَهَائِمَ هَاهُنَا عَلَى النَّاسِ فِي الصِّيَامِ عَنْ نُفُوسِهَا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، وَلَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَاهُنَا بَاطِلًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ مِثْلًا مِنْ النَّعَمِ أَوْ إطْعَامًا وَلَمْ يُوجِبْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ خَطَأً بَلْ أَوْجَبَ هُنَالِكَ دِيَةً. وَعِتْقَ رَقَبَةٍ وَلَمْ يُوجِبْهَا هَاهُنَا؛ فَكَيْفَ يَسْتَجِيزُ أَحَدٌ قِيَاسَ شَيْءٍ عَلَى شَيْءٍ قَدْ فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ حُكْمَيْهِمَا.
وَأَمَّا أَبُو ثَوْرٍ فَإِنَّهُ قَاسَ الْإِطْعَامَ، وَالصِّيَامَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ عَلَى الْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ فِي فِدْيَةِ حَلْقِ الْمُحْرِمِ رَأْسَهُ لِلْأَذَى يَكُونُ بِهِ وَالْمَرَضِ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنُ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ قَاتِلَ الصَّيْدِ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى فَاسِقٌ آثِمٌ، ثُمَّ مُتَوَعِّدٌ أَشَدَّ الْوَعِيدِ، وَحَالِقُ رَأْسِهِ لِمَرَضِ بِهِ: مُطِيعٌ مُحْسِنٌ مَأْجُورٌ، فَكَيْفَ يَجُوزُ قِيَاسُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَلَيْسَ مِثْلُهُ؟ ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَجَعَلَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ تَحْكِيمَ حَكَمَيْنِ وَلَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ فِي حَالِقِ رَأْسِهِ، وَهَذَا بَيِّنٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَّهُ ذُكِرَ لَهُ قَوْلُ أَحْمَدَ فِي مَسْأَلَةٍ فَقَالَ: أَحْسَنُ مَا كُنْت أَظُنُّ أَنَّ أَحَدًا يُوَافِقُنِي عَلَيْهَا، فَلَمْ يُنْكِرْ أَبُو يَعْقُوبَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقَوْلَ بِمَا لَا يَعْلَمُ بِهِ قَائِلٌ إذَا وَافَقَ الْقُرْآنَ، أَوْ السُّنَّةَ لَا كَمَنْ يُنْكِرُ هَذَا - ثُمَّ يَأْتِي بِأَقْوَالٍ مِنْ رَأْيِهِ مُخَالِفَةٍ لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ لَا يَعْرِفُ أَنَّ أَحَدًا قَالَ بِهَا قَبْلَهُ، وَفِي قَوْلِ كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَالشَّافِعِيِّ، مَا لَا يُعْرَفُ أَنَّ أَحَدًا قَالَ بِهِ قَبْلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ التَّقْسِيمِ الَّذِي قَسَّمُوهُ، فَمُتَّبِعُ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ أَوْلَى بِالْحَقِّ.
وَمِنْهَا: مَا هُوَ الْمِثْلُ الَّذِي يُجْزِئُ بِهِ الصَّيْدُ مِنْ النَّعَمِ فَإِنَّ الرِّوَايَةَ جَاءَتْ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَائِذُ بْنُ حَبِيبٍ عَنْ عَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَإِبْرَاهِيمَ قَالُوا جَمِيعًا: إذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute