للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ نَصَّ عَلَيْنَا حُكْمَ الصَّيْدِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المائدة: ٩٤] .

وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المائدة: ٩٤] فَصَحَّ أَنَّ الْمُحَلَّلَ لَنَا إذَا حَلَلْنَا هُوَ الْمُحَرَّمُ عَلَيْنَا إذَا أَحْرَمْنَا، وَأَنَّهُ تَصَيُّدُ مَا عَلَّمَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حُكْمَهُ الَّذِي بِالْتِزَامِهِ يَتَبَيَّنُ مَنْ يَخَافُ رَبَّهُ تَعَالَى فَيَلْتَزِمُ مَا أَمَرَ بِهِ فِي صَيْدِهِ وَيَجْتَنِبُ مَا نَهَى عَنْهُ فِيهِ مِمَّنْ لَا يَخَافُ رَبَّهُ فَيَعْتَدِي مَا أَمَرَهُ تَعَالَى؛ وَلَيْسَ هَذَا بِيَقِينٍ إلَّا فِيمَا تُصُيِّدَ لِلْأَكْلِ، وَمَا عَلِمْنَا قَطُّ فِي لُغَةٍ وَلَا شَرِيعَةٍ أَنَّ الْجَرْيَ خَلْفَ الْخَنَازِيرِ، وَالْأُسْدِ، وَقَتْلَهَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ: صَيْدٍ.

فَإِنْ قِيلَ: فَمَا وَجْهُ اقْتِصَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى هَذِهِ الْخَمْسِ؟ قُلْنَا: وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: ظَاهِرُ الْخَبَرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مَحْضُوضٌ عَلَى قَتْلِهِنَّ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَيَكُونُ غَيْرُهُنَّ مُبَاحًا قَتْلُهُ أَيْضًا وَلَيْسَ هَذَا الْخَبَرُ مِمَّا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُ الْخَمْسِ مَأْمُورًا بِقَتْلِهِ أَيْضًا: كَالْوَزَغِ، وَالْأَفَاعِي، وَالْحَيَّاتِ، وَالرُّتَيْلَا وَالثَّعَابِينِ.

وَقَدْ يَكُونُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي هَذِهِ فَاكْتَفَى عَنْ إعَادَتِهَا عِنْدَ ذِكْرِهِ الْخَمْسَ الْفَوَاسِقَ، وَلَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ لَهُنَّ، فَلَوْلَا هَذَا الْخَبَرُ مَا عَلِمْنَا الْحَضَّ عَلَى قَتْلِ الْغُرَابِ وَلَا تَحْرِيمَ أَكْلِهِ، وَأَكْلِ الْفَأْرَةِ، وَالْعَقْرَبِ، فَلَهُ أَعْظَمُ الْفَائِدَةِ - وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ.

وَقَدْ قُلْنَا: إنَّ هَذَا الْحِجَاجَ كُلَّهُ لَا مَدْخَلَ فِي شَيْءٍ لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا لِمَالِكٍ لِأَنَّهُمْ زَادُوا عَلَى الْخَمْسِ دَوَابَّ كَثِيرَةً، وَمَنَعُوا مِنْ قَتْلِ دَوَابَّ كَثِيرَةٍ بِالرَّأْيِ الْفَاسِدِ الْمُجَرَّدِ، فَلَا بِالْآيَةِ تَعَلَّقُوا وَلَا بِالْحَدِيثِ.

وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ: فَإِنَّهُ تَنَاقَضَ فِي الثَّعْلَبِ، لِأَنَّهُ ذُو نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ فَهُوَ حَرَامٌ لَمْ يَأْتِ تَحْلِيلُهُ فِي نَصٍّ قَطُّ وَلَيْسَ صَيْدًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>