للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجَزَاءِ فِي ذَلِكَ -: فَوَجَدْنَاهُ بَاطِلًا لَا إشْكَالَ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ دَلِيلٌ عَلَى إيجَابِ جَزَاءٍ فِي ذَلِكَ أَصْلًا وَلَا شَيْءٌ مِنْ النُّصُوصِ كُلِّهَا؛ فَكَانَ الْقَوْلُ بِذَلِكَ شَرْعًا فِي الدِّينِ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى؛ فَبَطَلَ جُمْلَةً وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَتْلِهَا -: فَوَجَدْنَا مَنْ مَنَعَ مِنْهُ يَقُولُ: اقْتِصَارُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جَوَابِ السَّائِلِ عَمَّا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ عَلَى هَذِهِ الْخَمْسِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا عَدَاهَا بِخِلَافِهَا؟ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ كَلَامُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - غَيْرَ مُسْتَوْعِبٍ لِجَوَابِ السَّائِلِ وَلَا مُبَيِّنٍ لَهُ حُكْمَ مَا سَأَلَ عَنْهُ، وَحَاشَا لَهُ مِنْ هَذَا، وَوَجَدْنَا مَنْ أَبَاحَ قَتْلَهَا يَقُولُ: اقْتِصَارُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمَنْعِ مِنْ قَتْلِ الصَّيْدِ خَاصَّةً بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: ٩٦] دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا عَدَا الصَّيْدَ بِخِلَافِ الصَّيْدِ فِي ذَلِكَ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ كَلَامُهُ تَعَالَى غَيْرَ مُسْتَوْعِبٍ لِمَا يُحَرَّمُ عَلَيْنَا وَلَا مُبَيِّنٍ لَنَا حُكْمَ مَا أَلْزَمَنَا إيَّاهُ، وَحَاشَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ فَكَانَ هَذَانِ الِاسْتِدْلَالَانِ مُتَقَابِلَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ فِيهِمَا؟ فَأَوَّلُ مَا نَقُولُ: أَنَّ الْيَقِينَ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ قَدْ صَحَّ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ بَيَّنَ لَنَا مَا أَلْزَمَنَا، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ بَيَّنَ لَنَا مَا أَلْزَمَنَا اللَّهُ تَعَالَى، وَلَمْ يَجُزْ لَنَا تَعَدِّي مَا نَصَّهُ عَلَيْنَا رَبُّنَا تَعَالَى وَنَبِيُّنَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَوَجَدْنَا الْآيَةَ فِيهَا حُكْمُ الصَّيْدِ وَلَيْسَ فِيهَا حُكْمُ غَيْرِهِ لَا بِتَحْرِيمٍ، وَلَا بِإِبَاحَةٍ، وَوَجَدْنَا الْخَبَرَ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ الْخَمْسِ الْمَحْضُوضِ عَلَى قَتْلِهَا فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ وَالْحِلِّ لَيْسَ فِيهِ حُكْمُ غَيْرِهَا لَا بِتَحْرِيمٍ، وَلَا بِإِبَاحَةٍ؛ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُضَافَ إلَى هَذِهِ الْآيَةِ وَلَا إلَى هَذَا الْحَدِيثِ مَا لَيْسَ فِيهِمَا، فَوَجَبَ النَّظَرُ فِيمَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِمَا وَطَلَبُ حُكْمِهِ مِنْ غَيْرِهِمَا؛ فَوَجَدْنَا الْحَيَوَانَ قِسْمَيْنِ سِوَى مَا ذَكَرَ فِي الْآيَةِ وَالْخَبَرِ -: فَقِسْمٌ مُبَاحٌ قَتْلُهُ: كَجَمِيعِ سِبَاعِ الطَّيْرِ، وَذَوَاتِ الْأَرْبَعِ، وَالْخَنَازِيرِ، وَالْهَوَامِّ، وَالْقَمْلِ، وَالْقِرْدَانِ، وَالْحَيَّاتِ، وَالْوَزَغِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُخْتَلَفُ أَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي قَتْلِهِ.

وَقِسْمٌ مُحَرَّمٌ قَتْلُهُ بِنُصُوصٍ وَارِدَةٍ فِيهِ: كَالْهُدْهُدِ، وَالصُّرَدِ، وَالضَّفَادِعِ، وَالنَّحْلِ، وَالنَّمْلِ؛ فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ كُلُّ ذَلِكَ عَلَى حُكْمِهِ كَمَا كَانَ، وَأَنْ لَا يُنْقَلَ بِظَنٍّ قَدْ عَارَضَهُ ظَنٌّ آخَرُ، وَبِغَيْرِ نَصٍّ جَلِيٍّ؛ فَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا يَجُوزُ تَعَدِّيهِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ مَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ قَدْ يَصِيدُهُ الْمَرْءُ لِيُطْعِمَهُ جَوَارِحَهُ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>