وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ مَاهَكَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي عَمَّارٍ قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ مُحْرِمِينَ بِعُمْرَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَمِيرُنَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَأَتَى رَجُلٌ بِحِمَارِ وَحْشٍ قَدْ عَقَرَهُ فَابْتَاعَهُ كَعْبُ بْنُ مُسْلِمٍ فَجَاءَ مُعَاذٌ وَالْقُدُورُ تَغْلِي بِهِ، فَقَالَ مُعَاذٌ: لَا يُطِيعُنِي أَحَدٌ إلَّا أَكْفَأَ قِدْرَهُ فَأَكْفَأَ الْقَوْمُ قُدُورَهُمْ فَلَمَّا وَافَوْا عُمَرَ قَصَّ عَلَيْهِ كَعْبٌ قِصَّةَ الْحِمَارِ، قَالَ عُمَرُ: مَا بَأْسُ ذَلِكَ؟ وَمَنْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ؟ لَعَلَّك أَفْتَيْت بِذَلِكَ يَا مُعَاذُ؟ قَالَ: نَعَمْ - فَلَامَهُ عُمَرُ.
وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَمُجَاهِدٍ، وَاللَّيْثِ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَغَيْرِهِمْ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَكَانَتْ هَذِهِ الْأَخْبَارُ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا صِحَاحًا كُلُّهَا، فَالْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ الْأَخْذُ بِجَمِيعِهَا وَاسْتِعْمَالُهَا كَمَا هِيَ دُونَ أَنْ يُزَادَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَيَقَعُ فَاعِلُ ذَلِكَ فِي الْكَذِبِ، فَنَظَرْنَا فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ فَوَجَدْنَا فِيهَا إبَاحَةَ أَكْلِ مَا صَادَهُ الْحَلَالُ لِلْمُحْرِمِ.
ثُمَّ نَظَرْنَا فِي الَّتِي قَبْلَهَا فَوَجَدْنَاهَا لَيْسَ فِيهَا نَهْيُ الْمُحْرِمِ عَنْ أَكْلِ مَا صَادَهُ الْمُحِلُّ أَصْلًا وَإِنَّمَا فِيهَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّا لَا نَأْكُلُهُ إنَّا حُرُمٌ، وَلَوْلَا أَنَّنَا مُحْرِمُونَ لَقَبِلْنَاهُ» فَإِنَّمَا فِيهِ رَدُّ الصَّيْدِ عَلَى مُهْدِيهِ، لِأَنَّهُمْ حُرُمٌ وَتَرْكُ أَكْلِهِ لِأَنَّهُمْ حُرُمٌ؛ وَهَذَا فِعْلٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَيْسَ أَمْرًا، وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ أَمْرُهُ وَإِنَّمَا فِي فِعْلِهِ الِائْتِسَاءُ بِهِ فَقَطْ.
وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَمَّا أَنَا فَلَا آكُلُ مُتَّكِئًا» .
وَتَرْكِهِ أَكْلَ الضَّبِّ - فَلَمْ يُحَرِّمْ بِذَلِكَ الْأَكْلَ مُتَّكِئًا لَكِنْ هُوَ الْأَفْضَلُ.
وَلَمْ يُحَرَّمْ أَيْضًا أَكْلُ الْمُحْرِمِ الصَّيْدَ يَصِيدُهُ الْمُحِلُّ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّا لَا نَأْكُلُهُ إنَّا حُرُمٌ» لَكِنْ كَانَ تَرْكُ أَكْلِهِ أَفْضَلَ.
وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَلَا حَرَجَ فِي أَكْلِهِ أَصْلًا وَلَا كَرَاهَةَ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ أَبَاحَهُ وَأَكَلَهُ أَيْضًا، فَمَرَّةً أَكَلَهُ، وَمَرَّةً لَمْ يَأْكُلْهُ، وَمَرَّةً قَبِلَهُ، وَمَرَّةً لَمْ يَقْبَلْهُ - فَكُلُّ ذَلِكَ حَسَنٌ مُبَاحٌ.
وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ «أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْضُ نَعَامٍ وَتَتْمِيرُ وَحْشٍ فَقَالَ: أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ فَإِنَّا حُرُمٌ» لَوْ صَحَّ فَكَيْفَ وَلَا يَصِحُّ؟ فَإِذْ لَا شَكَّ فِي هَذَا فَقَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute