صَحَّ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: ٩٦] إنَّمَا أَرَادَ بِهِ التَّصَيُّدَ فِي الْبَرِّ فَقَطْ.
وَصَحَّ أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: ٩٥] نَهْيٌ عَنْ قَتْلِهِ فِي حَالِ كَوْنِ الْمَرْءِ حَرَمًا، وَالذَّكَاةُ لَيْسَتْ قَتْلًا بِلَا خِلَافٍ فِي الشَّرِيعَةِ، وَالْقَتْلُ لَيْسَ ذَكَاةً، فَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَنْهَ عَنْ تَذْكِيَتِهِ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَلَمْ يَأْتِ النَّصُّ بِنَهْيٍ عَنْ تَمَلُّكِ الصَّيْدِ بِغَيْرِ التَّصَيُّدِ فَهُوَ حَلَالٌ.
وَبُرْهَانٌ قَاطِعٌ -: وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَكَنَ الْمَدِينَةَ إلَى أَنْ مَاتَ، وَهِيَ حَرَمٌ كَمَكَّةَ سَوَاءٌ سَوَاءٌ وَأَصْحَابُهُ بَعْدَهُ، وَلَمْ يَزَلْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُهْدَى لَهُ الصَّيْدُ وَلِأَصْحَابِهِ وَيَدْخُلُ بِهِ الْمَدِينَةَ حَيًّا فَيُبْتَاعُ وَيُذْبَحُ وَيُؤْكَلُ وَيُتَمَلَّكُ، وَمُذَكًّى فَيُبَاعُ وَيُؤْكَلُ، هَذَا أَمْرٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى إنْكَارِهِ أَحَدٌ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ، وَكَذَلِكَ بِمَكَّةَ وَهِيَ حَرَمٌ -: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ النَّمَرِيُّ نَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ نَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ هُوَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ - نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ دَاوُد بْنَ أَبِي هِنْدٍ يُحَدِّث هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ أَنَّ عَطَاءً يَكْرَهُ مَا أُدْخِلَ مِنْ الصَّيْدِ مِنْ الْحِلِّ أَنْ يُذْبَحَ فِي الْحَرَامِ، فَقَالَ هِشَامٌ: وَمَا عِلْمُ عَطَاءٍ، وَمَنْ يَأْخُذُ عَنْ ابْنِ رَبَاحٍ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِمَكَّةَ - يَعْنِي عَمَّهُ ابْنَ الزُّبَيْرِ - تِسْعَ سِنِينَ يَرَاهَا فِي الْأَقْفَاصِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُقَدِّمُونَ بِهَا الْقَمَارِيَّ وَالْيَعَاقِيبَ لَا يَنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ الْحَرَمُ لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ الْإِحْرَامُ إذْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ ذَلِكَ النَّصُّ أَصْلًا فَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: مَنْ أَحْرَمَ وَفِي مَنْزِلِهِ صَيْدٌ أَوْ مَعَهُ فِي قَفَصٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إرْسَالُهُ فَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ فَإِنْ وَجَدَهُ بَعْدَ إحْلَالِهِ فِي يَدِ إنْسَانٍ قَدْ أَخَذَهُ كَانَ لَهُ ارْتِجَاعُهُ وَانْتِزَاعُهُ مِنْ الَّذِي هُوَ بِيَدِهِ، وَهَذَا تَخْلِيطٌ نَاهِيكَ بِهِ، وَلَئِنْ كَانَ يَسْقُطُ مِلْكُهُ عَنْهُ بِإِحْرَامِهِ فَمَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِمَّنْ مَلَكَهُ وَلَا سَبِيلَ إلَى عَوْدَةِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ بَعْدَ سُقُوطِهِ إلَّا بِبُرْهَانٍ، وَإِنْ كَانَ مِلْكُهُ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ بِإِحْرَامِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ.
وَقَالَ أَيْضًا: إنْ صَادَ مُحِلٌّ صَيْدًا فَأَدْخَلَهُ حَرَمَ مَكَّةَ حَيًّا فَعَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ فَإِنْ بَاعَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute