للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكُلُّ هَؤُلَاءِ إذْ فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ رَجَعَ الْخَارِجُ إلَى دَارِهِ، وَعَقَارِهِ وَضِيَاعِهِمْ بِالطَّائِفِ وَغَيْرِهَا، وَبَقِيَ الْمُسْتَضْعَفُ فِي دَارِهِ وَعَقَارِهِ وَأَثَاثِهِ كَذَلِكَ، فَأَيْنَ يَذْهَبُ بِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَوْ نَصَحُوا أَنْفُسَهُمْ؟ وَأَتَى بَعْضُهُمْ هَاهُنَا بِآبِدَةٍ هِيَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} [الحشر: ٨] وَذَكَر مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ الْمِصْرِيِّ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: مَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْقِتَالِ فَهُوَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَهُ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَلَهُ سَهْمٌ فِي الْإِسْلَامِ، وَمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْقِتَالِ، أَوْ الْهَزِيمَةِ فَمَالُهُ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّهُمْ قَدْ أَحْرَزُوهُ قَبْلَ إسْلَامِهِ، قَالَ: فَسَمَّاهُمْ تَعَالَى فُقَرَاءَ، فَصَحَّ أَنَّ أَمْوَالَهُمْ قَدْ مَلَكَهَا الْكُفَّارُ عَلَيْهِمْ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَرْدَعَهُ الْحَيَاءُ عَنْ هَذِهِ الْمُجَاهَرَةِ الْقَبِيحَةِ وَأَيُّ إشَارَةٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إلَى مَا قَالَ؟ بَلْ هِيَ دَالَّةٌ عَلَى كَذِبِهِ فِي قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَبْقَى أَمْوَالَهُمْ وَدِيَارَهُمْ فِي مِلْكِهِمْ، بِأَنْ نَسَبَهَا إلَيْهِمْ، وَجَعَلَهَا لَهُمْ، وَعَظَّمَ بِالْإِنْكَارِ إخْرَاجَهُمْ ظُلْمًا مِنْهَا - وَنَعَمْ، هُمْ فُقَرَاءُ بِلَا شَكٍّ؛ إذْ لَا يَجِدُونَ غِنًى.

وَهُمْ مُجْمِعُونَ مَعَنَا عَلَى أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ، أَوْ الْمَشْرِقِ لَوْ حَجَّ فَفَرَغَ مَا فِي يَدِهِ بِمَكَّةَ أَوْ بِالْمَدِينَةِ، وَلَهُ فِي بِلَادِهِ ضِيَاعٌ بِأَلْفِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَأَثَاثٌ بِمِثْلِ ذَلِكَ؛ وَهُوَ حَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَى قَرْضٍ، وَلَا عَلَى ابْتِيَاعٍ، وَلَا بَيْعٍ فَإِنَّهُ فَقِيرٌ تَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ، وَمَالُهُ فِي بِلَادِهِ مُنْطَلِقَةٌ عَلَيْهِ يَدُهُ.

وَكَذَلِكَ مَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ فِتْنَةٌ، أَوْ غَصْبٌ، وَلَا فَرْقَ، وَلَقَدْ عَظُمَتْ مُصِيبَةُ ضُعَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ الْمُغْتَرِّينَ بِهِمْ مِنْهُمْ - وَنَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى مَا هَدَانَا لَهُ مِنْ الْحَقِّ.

وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَسَاقِطَةٌ؛ لِأَنَّهَا مُنْقَطِعَةٌ - لَمْ يُولَدْ يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِدَهْرٍ طَوِيلٍ - وَفِيهَا: ابْنُ لَهِيعَةَ، وَهُوَ لَا شَيْءَ.

ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهَا مُتَعَلَّقٌ؛ بَلْ هِيَ مُوَافِقَةٌ لِقَوْلِنَا وَخِلَافٌ لِقَوْلِهِمْ لِأَنَّ نَصَّهَا، مَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْقِتَالِ فَهُوَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَهُ مَا لِلْمُسْلِمِينَ، فَصَحَّ بِهَذَا أَنَّ مَالَهُ كُلَّهُ حَيْثُ كَانَ لَهُ كَمَا كَانَ لِكُلِّ مُسْلِمٍ؛ ثُمَّ فِيهَا إنْ أَسْلَمَ بَعْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>