للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ لَا يُغْنَمُونَ، وَكُلُّ مَا أَوْدَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ، أَوْ ذِمِّيٍّ فَلَهُ، وَلَا يُغْنَمُ - وَأَمَّا سَائِرُ مَا تَرَكَ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ مِنْ أَرْضٍ، أَوْ عَقَارٍ، أَوْ أَثَاثٍ، أَوْ حَيَوَانٍ فَفَيْءٌ مَغْنُومٌ - وَكَذَلِكَ حَمْلُ امْرَأَتِهِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مُسْلِمٌ.

فَإِنْ خَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ كَافِرًا، ثُمَّ أَسْلَمَ فِيهَا فَهُوَ حُرٌّ مُسْلِمٌ - وَأَمَّا كُلُّ مَا تَرَكَ مِنْ أَرْضٍ، أَوْ عَقَارٍ، أَوْ مَتَاعٍ، أَوْ حَيَوَانٍ، أَوْ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ فَفَيْءٌ مَغْنُومٌ، وَلَا يَكُونُونَ مُسْلِمِينَ بِإِسْلَامِهِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَوْ قِيلَ لِإِنْسَانٍ أَسْخِفْ وَاجْتَهِدْ مَا قَدَرَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ هَذَا، وَلَا تُعْرَفُ هَذِهِ التَّقَاسِيمُ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ قَبْلَهُ، وَمَا تَعَلُّقَ فِيهَا لَا بِقُرْآنٍ، وَلَا بِسُنَّةٍ، وَلَا بِرِوَايَةٍ فَاسِدَةٍ، وَلَا بِقَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا تَابِعٍ، وَلَا بِقِيَاسٍ، وَلَا بِرَأْيٍ يُعْقَلُ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ؛ بَلْ هُوَ خِلَافُ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَنِ: فِي إبَاحَتِهِ مَالَ الْمُسْلِمِ وَوَلَدِهِ الصِّغَارِ لِلْغَنِيمَةِ بِالْبَاطِلِ، وَخِلَافُ الْمَعْقُولِ، إذْ صَارَ عِنْدَهُ فِرَارُهُ إلَى أَرْضِ الْإِسْلَامِ بِنَفْسِهِ وَإِسْلَامُهُ فِيهَا: ذَنْبًا عَظِيمًا يَسْتَحِقُّ بِهِ مِنْهُ إبَاحَةَ صِغَارِ أَوْلَادِهِ لِلْإِسَارِ وَالْكُفْرِ، وَإِبَاحَةَ جَمِيعِ مَالِهِ لِلْغَنِيمَةِ، هَذَا جَزَاؤُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَجَعَلَ بَقَاءَهُ فِي دَارِ الْكُفْرِ خُصْلَةً حَرَّمَ بِهَا أَمْوَالَهُ كُلَّهَا حَاشَا أَرْضَهُ، وَحَرَّمَ بِهَا صِغَارَ أَوْلَادِهِ حَاشَا الْجَنِينِ، هَذَا مَعَ إبَاحَتِهِ لِلْكُفَّارِ وَالْحَرْبِيِّينَ: تَمَلُّكَ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا قَدَّمْنَا قَبْلُ، وَتَحْرِيمِهِ ضَرْبَهُمْ وَقَتْلَهُمْ إنْ أَعْلَنُوا بِسَبِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَقْزَعِ السَّبِّ، وَتَكْذِيبِهِ فِي الْأَسْوَاقِ، فَإِنْ قَتَلَ مُسْلِمٌ مِنْهُمْ قَتِيلًا قُتِلَ بِهِ فَكَيْفَ تَرَوْنَ؟ وَهُوَ أَيْضًا خِلَافُ الْإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشُكُّ مُؤْمِنٌ، وَلَا كَافِرٌ، وَلَا جَاهِلٌ، وَلَا عَالَمٌ فِي أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا أَطْوَارًا.

فَطَائِفَةٌ أَسْلَمُوا بِمَكَّةَ، ثُمَّ فَرُّوا عَنْهَا بِأَدْيَانِهِمْ: كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ وَغَيْرِهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.

وَطَائِفَةٌ خَرَجُوا كُفَّارًا، ثُمَّ أَسْلَمُوا: كَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَسْلَمَ عِنْدَ النَّجَاشِيِّ، وَأَبِي سُفْيَانَ أَسْلَمَ فِي عَسْكَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَطَائِفَةٌ أَسْلَمُوا وَبَقُوا بِمَكَّةَ كَجَمِيعِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ النِّسَاءِ، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} [الفتح: ٢٤] إلَى قَوْلِهِ: {وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الفتح: ٢٥]

<<  <  ج: ص:  >  >>