وَهَذَا تَقْسِيمٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَخِلَافٌ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ فِي الرِّكَازِ الْخُمُسَ - فَعَمَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ يَخُصَّ؛ وَلَا يُعْرَفُ هَذَا التَّقْسِيمُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ قَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ، وَفِيهِ عَنْ السَّلَفِ آثَارٌ. مِنْهَا: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ عَلِيًّا أَتَاهُ رَجُلٍ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَجَدَهَا فِي خَرِبَةٍ بِالسَّوَادِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: إنْ كُنْت وَجَدَتْهَا فِي قَرْيَةٍ خَرِبَةٍ تَحْمِلُ خَرَاجَهَا قَرْيَةٌ عَامِرَةٌ فَهِيَ لَهُمْ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحْمِلُ خَرَاجَهَا فَلَكَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ وَلَنَا خُمُسُهُ، وَسَأُطَيِّبُهُ لَك جَمِيعًا.
وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، لِأَنَّ السَّوَادَ أُخِذَ عَنْوَةً لَا صُلْحًا، وَكَانَ فِي أَيَّامِ عَلِيٍّ دَارَ إسْلَامٍ، وَقَبْلَ ذَلِكَ بِدَهْرٍ، وَشَيْءٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ: أَنَّ أَبَا مُوسَى وَجَدَ دَانْيَالَ بِالسُّوسِ إذْ فَتَحَهَا وَمَعَهُ مَالٌ إلَى جَنْبِهِ، كَانُوا يَسْتَقْرِضُونَ مِنْهُ مَا احْتَاجُوا إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَإِذَا جَاءَ ذَلِكَ الْأَجَلُ وَلَمْ يَرُدَّهُ الْمُسْتَقْرِضُ بَرِصَ فَكَتَبَ إلَى عُمَرَ بِذَلِكَ. فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ: كَفِّنْهُ، وَحَنِّطْهُ، وَصَلِّ عَلَيْهِ، وَادْفِنْهُ كَمَا دُفِنَتْ الْأَنْبِيَاءُ وَاجْعَلْ الْمَالَ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا صَحِيحٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ رِكَازًا، إنَّمَا كَانَ مَعْلُومًا ظَاهِرًا، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ فَيُخَمَّسَ وَيُغْنَمَ؛ بَلْ كَانَ مَالَ نَبِيٍّ فَهُوَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي مَصَالِحِهِمْ.
وَمِنْهَا: خَبَرٌ عَنْ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ رِيَاحٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُمْ أَصَابُوا قَبْرًا بِالْمَدَائِنِ، وَفِيهِ مَيِّتٌ عَلَيْهِ ثِيَابٌ مَنْسُوجَةٌ بِالذَّهَبِ، وَمَعَهُ مَالٌ؟ فَكَتَبَ فِيهِ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ إلَى عُمَرَ؟ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ أَعْطِهِمْ إيَّاهُ وَلَا تَنْزِعْهُ مِنْهُمْ - وَهَذَا قَوْلُنَا لَا قَوْلُهُمْ، إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ خُمُسٍ؛ وَلَا بُدَّ مِنْ الْخُمُسِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ.
وَخَبَرٌ مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ أَلْفَ دِينَارٍ مَدْفُونَةً خَارِجَ الْمَدِينَةِ، فَأَتَى بِهَا عُمَرَ، فَأَخَذَ خُمُسَهَا مِائَتَيْ دِينَارٍ وَدَفَعَ إلَيْهِ الْبَاقِيَ؛ ثُمَّ جَعَلَ عُمَرُ يَقْسِمُ الْمِائَتَيْنِ بَيْنَ مَنْ حَضَرَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَى أَنْ فَضَلَ مِنْهَا فَضْلَةٌ فَدَفَعَهَا إلَى وَاجِدِهَا - وَهَذَا قَوْلُنَا، إلَّا فِي صِفَةِ قِسْمَتِهِ الْخُمُسَ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَنَّ عَمْرَو بْنَ شُعَيْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدًا وَجَدَ رِكْزَةً عَلَى عَهْدِ عُمَرَ فَأَعْتَقَهُ مِنْهَا، وَأَعْطَاهُ مِنْهَا، وَجَعَلَ سَائِرَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ - وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا، وَسَوَاءٌ عِنْدَنَا وَجَدَ الرِّكَازَ حُرٌّ، أَوْ عَبْدٌ، الْحُكْمُ [عِنْدَنَا] وَاحِدٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute