قُلْتُمْ؛ فَخَرَجَ سَلَبُ الْمُسْلِمِ بِهَذَا عَنْ جُمْلَةِ هَذَا الْخَبَرِ، وَبَقِيَ سَلَبُ الْكَافِرِ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ هُوَ أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ - عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ السَّلَبِ؟ فَقَالَ: لَا سَلَبَ إلَّا مِنْ النَّفْلِ وَفِي النَّفْلِ الْخُمُسُ. فَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ السَّلَبُ إلَّا نَفْلًا، فَقَوْلٌ كَقَوْلِ مَنْ ذَكَرنَا، إلَّا أَنَّهُ رَأَى فِيهِ الْخُمُسَ - وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ، وَمَالِكٌ: إلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْأَمِيرُ قَبْلَ الْقِتَالِ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ، فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَلَا يُخَمَّسُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُمْ أَوْهَمُوا أَنَّهُمْ اتَّبَعُوا الْحَدِيثَ وَلَمْ يَفْعَلُوا، بَلْ خَالَفُوهُ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ الْقِتَالِ؛ فَهَذَا خِلَافُ قَوْلِهِمْ صُرَاحًا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا يَوْمَ حُنَيْنٍ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَكَانَ هَذَا عَجَبًا
نَعَمْ، فَهَبْكَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَطُّ إلَّا يَوْمَئِذٍ، أَوْ قَالَهُ قَبْلُ وَبَعْدُ، أَتَرَى يَجِدُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَى بِهِ مَرَّةً، أَوْ يَرَوْنَهُ بَاطِلًا حَتَّى يُكَرِّرَ الْقَضَاءَ بِهِ؟ حَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا الضَّلَالِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا قَالَ مَرَّةً، أَوْ أَلْفَ أَلْفَ مَرَّةٍ، كُلُّهُ دِينٌ، وَكُلُّهُ حَقٌّ، وَكُلُّهُ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَكُلُّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ خِلَافُهُ.
وَمَوَّهُوا بِفِعْلِ عُمَرَ، وَهُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ، لِأَنَّ عُمَرَ قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ دُونَ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقِتَالِ، إلَّا أَنَّهُ خَمَّسَهُ وَلَمْ يُمَانِعْهُ الْبَرَاءُ، فَصَحَّ أَنَّهُ طَابَتْ بِهِ نَفْسِهِ، وَهَذَا حَسَنٌ لَا نُنْكِرُهُ.
وَشَغَبُوا أَيْضًا بِأَشْيَاءَ نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ فَمَوَّهَ بَعْضُ الْمُخَالِفِينَ فِي نَصْرِ تَقْلِيدِهِمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: ٤١] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ؛ لِأَنَّ الَّذِي أَمَرَنَا بِهَذَا هُوَ الَّذِي أَوْحَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: فَأَبْطِلُوا بِهَذَا الدَّلِيلِ قَوْلَكُمْ: إنَّ الْإِمَامَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute