إذَا قَالَ: السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ كَانَ لَهُ. فَقَدْ جَعَلْتُمْ قَوْلَ إمَامٍ لَعَلَّهُ لَا تَجِبُ طَاعَتُهُ حُجَّةً عَلَى الْآيَةِ، وَلَمْ تَجْعَلُوا قَوْلَ الْإِمَامِ الَّذِي لَا إمَامَةَ لِأَحَدٍ إلَّا بِطَاعَتِهِ بَيَانًا لِلْآيَةِ، وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا ثُمَّ أَعْجَبُ شَيْءٍ أَنَّهُمْ لَا يَحْتَجُّونَ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ: إنَّ الْأَرْضَ الْمَغْنُومَةَ لَا خُمُسَ فِيهَا، وَهَذَا مَوْضِعُ الِاحْتِجَاجِ بِالْآيَةِ حَقًّا
وَذَكَرُوا خَبَرًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ فِي «أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ فَارِسًا مِنْ الرُّومِ يَوْمَ مُؤْتَةَ وَأَخَذَ سِلَاحَهُ وَفَرَسَهُ؟ فَبَعَثَ إلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَأَخَذَ مِنْ السَّلَبِ قَالَ عَوْفٌ: فَأَتَيْتُ خَالِدًا فَقُلْتُ لَهُ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي اسْتَكْثَرْتُهُ، قُلْتُ: لَتَرُدَّنَّهُ أَوْ لَأُعَرِّفَنَّكَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَبَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ، قَالَ عَوْفٌ: فَاجْتَمَعْنَا عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا خَالِدُ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَكْثَرْتُهُ؟ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: يَا خَالِدُ رُدَّ عَلَيْهِ مَا أَخَذْتَ مِنْهُ، قَالَ عَوْفٌ: فَقُلْتُ لَهُ: دُونَكَ يَا خَالِدُ، أَلَمْ أَفِ لَكَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا ذَلِكَ؟ قَالَ: فَأَخْبَرْتُهُ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: يَا خَالِدُ لَا تَرُدَّ عَلَيْهِ، هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي أُمَرَائِي؟ لَكُمْ صَفْوَةُ أَمْرِهِمْ وَعَلَيْهِمْ كَدَرُهُ» .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا، بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لِوُجُوهٍ.
أَوَّلُهَا: أَنَّ فِيهِ نَصًّا جَلِيًّا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ - وَهَذَا قَوْلُنَا.
وَثَانِيهَا: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ خَالِدًا بِالرَّدِّ عَلَيْهِ.
وَثَالِثُهَا: أَنَّ فِي نَصِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَمَرَهُ بِأَنْ لَا يَرُدَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ الْقَاتِلَ صَاحِبَ السَّلَبِ أَعْطَاهُ بِطَيِّبِ نَفْسٍ وَلَمْ يَطْلُبْ خَالِدًا بِهِ، وَأَنَّ عَوْفًا يَتَكَلَّمُ فِيمَا لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ وَهَذَا هُوَ نَصُّ الْخَبَرِ.
وَرَابِعُهَا: أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا يُوهِمُونَ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّ يَوْمَ حُنَيْنٍ الَّذِي قَالَ فِيهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ قَتَلَ كَافِرًا فَلَهُ سَلَبُهُ» كَانَ بَعْدَ يَوْمِ مُؤْتَةَ، بِلَا خِلَافٍ، وَيَوْمَ حُنَيْنٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute