بِزَعْمِهِمْ فِي خَبَرِ الْوُضُوءِ مِنْ الْقَهْقَهَةِ وَالْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ، وَلَا قَاسُوا عَلَيْهِمَا فَطَرَدُوا قِيَاسَهُمْ، لَكِنْ خَلَّطُوا تَخْلِيطًا خَرَجُوا بِهِ إلَى الْهَوَسِ الْمَحْضِ فَقَطْ، فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ - لَوْ صَحَّ - وَقَدْ خَالَفُوهُ. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَعِيشَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ «عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاءَ فَتَوَضَّأَ، فَلَقِيتُ ثَوْبَانَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: صَدَقْتَ، أَنَا صَبَبْتُ لَهُ وَضُوءَهُ يَعْنِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ يَعِيشَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ «اسْتَقَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَفْطَرَ وَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ» .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فِيهِ يَعِيشُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِيهِ وَلَيْسَا مَشْهُورَيْنِ وَالثَّانِي مُدَلِّسٌ لَمْ يَسْمَعْهُ يَحْيَى مِنْ يَعِيشَ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ مُتَعَلَّقٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ مَنْ تَقَيَّأَ فَلْيَتَوَضَّأْ، وَلَا أَنَّ وُضُوءَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ مِنْ أَجْلِ الْقَيْءِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - التَّيَمُّمُ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ فِيهِ أَيْضًا فَرْقٌ بَيْنَ مَا يَمْلَأُ الْفَمَ مِنْ الْقَيْءِ وَبَيْنَ مَا لَا يَمْلَؤُهُ، وَلَا فِيهِمَا شَيْءٌ غَيْرَ الْقَيْءِ، فَلَا عَلَى مَا فِيهِمَا اقْتَصَرُوا، وَلَا قَاسُوا عَلَيْهِمَا قِيَاسًا مُطَّرِدًا. وَذَكَرُوا أَيْضًا الْحَدِيثَ الثَّابِتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ - وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ - وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ» وَأَوْجَبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِيهِ الْوُضُوءَ، قَالُوا: فَوَجَبَ ذَلِكَ فِي كُلِّ عِرْقٍ سَائِلٍ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُجِزْ أَنْ يَقِيسُوا دَمَ الْعِرْقِ الْخَارِجِ مِنْ الْفَرْجِ عَلَى دَمِ الْحَيْضِ الْخَارِجِ مِنْ الْفَرْجِ، وَكِلَاهُمَا دَمٌ خَارِجٌ مِنْ الْفَرْجِ، وَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ فَرَّقَ بَيْنَ حُكْمَيْهِمَا فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُقَاسَ دَمٌ خَارِجٌ مِنْ غَيْرِ الْفَرْجِ عَلَى دَمٍ خَارِجٍ مِنْ الْفَرْجِ، وَأَبْطَلُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَاسَ الْقَيْحُ عَلَى الدَّمِ، وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى ادِّعَاءِ إجْمَاعٍ فِي ذَلِكَ، فَقَدْ صَحَّ عَنْ الْحَسَنِ وَأَبِي مِجْلَزٍ الْفَرْقُ بَيْنَ الدَّمِ وَالْقَيْحِ، وَأَبْطَلُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَاسَ الْمَاءُ الْخَارِجُ مِنْ النَّفَّاطَةِ عَلَى الدَّمِ وَالْقَيْحِ، وَلَا يُقَاسُ الْمَاءُ الْخَارِجُ مِنْ الْأَنْفِ وَالْأُذُنِ عَلَى الْمَاءِ الْخَارِجِ مِنْ النَّفَّاطَةِ، وَأَبْطَلُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ دَمُ الْعِرْقِ الْخَارِجُ مِنْ الْفَرْجِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute