فَإِنَّ قَوْلَهُ فِيهِ: إنْ خَرَجَ مِنْ اللَّثَاةِ أَوْ فِي الْجَسَدِ أَوْ مِنْ الْفَمِ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْجَوْفِ لَمْ يَنْقُضْ الْوُضُوءَ إلَّا أَنْ يَمْلَأَ الْفَمَ فَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ حِينَئِذٍ، وَقَالَ زُفَرُ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا الْقَلْسُ، فَإِنَّهُ قَالَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ.
قَالَ عَلِيٌّ: مِثْلُ هَذَا لَا يُقْبَلُ - وَلَا كَرَامَةَ - إلَّا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُبَلِّغِ عَنْ خَالِقِنَا وَرَازِقِنَا تَعَالَى أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، وَأَمَّا مِنْ أَحَدٍ دُونَهُ فَهُوَ هَذَيَانٌ وَتَخْلِيطٌ كَتَخْلِيطِ الْمُبَرْسَمِ وَأَقْوَالٍ مَقْطُوعٍ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقُلْهَا أَحَدٌ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَمْ يُؤَيِّدُهَا مَعْقُولٌ وَلَا نَصٌّ وَلَا قِيَاسٌ، أَفَيَسُوغُ لِمَنْ يَأْتِي بِهَذِهِ الْوَسَاوِسِ أَنْ يُنْكِرَ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْبَائِلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ وَفِي الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ؟ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ مَا مِثْلُهُ عَجَبٌ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ يَرْفَعُهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْوُضُوءُ مِنْ الْقَيْءِ وَإِنْ كَانَ قَلْسًا يَقْلِسُهُ فَلْيَتَوَضَّأْ إذَا رَعَفَ أَحَدٌ فِي الصَّلَاةِ أَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ، وَإِنْ كَانَ قَلْسًا يَقْلِسُهُ، أَوْ وَجَدَ مَذْيًا فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ ثُمَّ يَرْجِعْ فَيُتِمَّ مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ وَلَا يَسْتَقْبِلُهَا جَدِيدًا» وَخَبَرٌ آخَرُ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إذَا قَاءَ أَحَدُكُمْ أَوْ قَلَسَ فَلْيَتَوَضَّأْ ثُمَّ لِيَبْنِ عَلَى مَا مَضَى مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ» .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَانِ الْأَثَرَانِ سَاقِطَانِ؛ لِأَنَّ وَالِدَ ابْنِ جُرَيْجٍ لَا صُحْبَةَ لَهُ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ، وَالْآخَرُ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ وَهُوَ سَاقِطٌ، لَا سِيَّمَا فِيمَا رُوِيَ عَنْ الْحِجَازِيِّينَ، ثُمَّ لَوْ صَحَّا لَكَانَا حُجَّةً عَلَى الْحَنَفِيِّينَ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ يُفَرِّقُ بَيْنَ مِلْءِ الْفَمِ مِنْ الْقَيْءِ وَالْقَلْسِ وَمَا دُونَ مِلْءِ الْفَمِ مِنْ الْقَيْءِ وَالْقَلْسِ، وَلَا بَيْنَ مَا يَخْرُجُ مِنْ نَفَّاطَةٍ فَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَمَا يَسِيلُ مِنْ الْأَنْفِ فَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلَا فِيهِ ذِكْرُ دَمٍ خَارِجٍ مِنْ الْجَوْفِ وَلَا مِنْ الْجَسَدِ وَلَا مِنْ اللَّثَاةِ وَلَا مِنْ الْجُرْحِ، وَإِنَّمَا فِيهِمَا الْقَيْءُ وَالْقَلْسُ وَالرُّعَافُ فَقَطْ فَلَا عَلَى الْخَبَرَيْنِ اقْتَصَرُوا، كَمَا فَعَلُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute