قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْأَخْبَارُ الَّتِي فِيهَا عُمُومُ ذِكْرِ الْغُرَابِ هُوَ الزَّائِدُ حُكْمًا لَيْسَ فِي الَّذِي فِيهِ تَخْصِيصُ الْأَبْقَعِ، وَمَنْ قَالَ: إنَّمَا عَنَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ " الْغُرَابُ " الْغُرَابَ الْأَبْقَعَ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ الْغُرَابَ الْأَبْقَعَ فِي خَبَرٍ آخَرَ -: فَقَدْ كَذَبَ، إذْ قَفَا مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ قَدْ أَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِقَتْلِ الْأَبْقَعِ فِي خَبَرٍ، وَبِقَتْلِ الْغُرَابِ جُمْلَةً فِي خَبَرٍ آخَرَ، وَكِلَاهُمَا حَقٌّ لَا يَحِلُّ خِلَافُهُ.
وَتَرَدَّدَ الْمَالِكِيُّونَ فِي هَذِهِ الدَّوَابِّ الَّتِي ذَكَرْنَا.
وَأَمَّا الْعَقَارِبُ وَالْحَيَّاتُ فَمَا يَمْتَرِي ذُو فَهْمٍ فِي أَنَّهُنَّ مِنْ أَخْبَثِ الْخَبَائِثِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: ١٥٧] .
وَأَمَّا الْفِئْرَانُ فَمَا زَالَ جَمِيعُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ يَتَّخِذُونَ لَهَا الْقِطَاطَ، وَالْمَصَائِدَ الْقَتَّالَةَ، وَيَرْمُونَهَا مَقْتُولَةً عَلَى الْمَزَابِلِ، فَلَوْ كَانَ أَكْلُهَا حَلَالًا لَكَانَ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَاصِي، وَمِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَبَاحُوا أَكْلَ الْحَيَّاتِ الْمُذَكَّاةِ، وَهُمْ يُحَرِّمُونَ أَكْلَ مَا ذُكِّيَ مِنْ قَفَاهُ، وَلَا سَبِيلَ إلَى تَذْكِيَةِ الْحَيَّاتِ إلَّا مِنْ أَقْفَائِهَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهِيَ وَالْخَمْرُ تَقَعُ فِي التِّرْيَاقِ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاوِي، لِأَنَّ الْمُتَدَاوِيَ مُضْطَرٌّ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: ١١٩] .
وَأَمَّا ذَوَاتُ الْمَخَالِبِ مِنْ الطَّيْرِ -: فَلِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ أَحْمَدُ: نَا هُشَيْمٌ أَنَّ أَبَا بِشْرٍ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي وَحْشِيَّةَ أَخْبَرَهُ، وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: نَا أَبِي نَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، ثُمَّ اتَّفَقَ الْحَكَمُ، وَأَبُو بِشْرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَعَنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ» .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: ٧] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute