وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنْ قَالُوا: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} [الأحزاب: ٥] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَأَنْتُمْ تُجِيزُونَ صَلَاةَ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهَا نَاسِيًا، وَصَوْمَ مَنْ أَكَلَ فِيهِ نَاسِيًا، فَمَا الْفَرْقُ؟ قَالُوا: وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: ١٢١] إخْرَاجٌ لِلنَّاسِي مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ، لِأَنَّ النِّسْيَانَ لَيْسَ فِسْقًا.
هَذَا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ. أَمَّا سُقُوطُ الْجُنَاحِ فِي الْخَطَأِ، وَسُقُوطُ الْمُؤَاخَذَةِ بِالنِّسْيَانِ وَالْخَطَأِ، وَرَفْعُهُمَا عَنَّا، فَنَعَمْ؟ وَهُوَ قَوْلُنَا، وَهَكَذَا نَقُولُ: إنَّهُ هَهُنَا مَرْفُوعٌ عَنْهُ الْإِثْمُ وَالْحَرَجُ إذَا نَسِيَ التَّسْمِيَةَ، لَكِنَّا قُلْنَا: إنَّهُ لَمْ يُذَكِّ، لَكِنْ ظَنَّ أَنَّهُ ذَكَّى وَلَمْ يُذَكِّ، كَمَنْ نَسِيَ الصَّلَاةَ وَظَنَّ أَنَّهُ صَلَّى وَهُوَ لَمْ يُصَلِّ، فَلَمَّا لَمْ يُذَكِّ كَانَ مَيْتَةً لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَهَانَا أَنْ نَأْكُلَ مَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكَانَتْ هَذِهِ الصِّفَةُ مَتَى وُجِدَتْ فِي مَذْبُوحٍ أَوْ مَنْحُورٍ أَوْ تَصَيُّدٍ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا جَهِلُوا الْفَرْقَ بَيْنَهُ مِنْ ذَلِكَ: هُوَ أَنَّ الْعَمَلَ الْمَأْمُورَ بِهِ مَنْ نَسِيَ أَنْ يَعْمَلَهُ، أَوْ تَعَمَّدَ أَنْ لَا يَعْمَلَهُ، فَلَمْ يَعْمَلْهُ إلَّا أَنَّ النَّاسِيَ غَيْرُ حَرِجٍ فِي نِسْيَانِهِ وَالْعَامِدَ فِي حَرَجٍ، وَكُلُّ عَمَلٍ عَمِلَهُ الْمَرْءُ مِمَّا أُمِرَ بِهِ فَزَادَ فِيهِ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ نَاسِيًا فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِيمَا عَمِلَ نَاسِيًا، وَعَمَلُهُ لِمَا عَمِلَ مِمَّا أُمِرَ بِهِ صَحِيحٌ جَائِزٌ جَازَ - فَهَذَا هُوَ حُكْمُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ إلَّا مَا جَاءَ نَصٌّ بِإِخْرَاجِهِ عَنْ هَذَا الْحُكْمِ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ.
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: ١٢١] فَلَمْ نَقُلْ قَطُّ: إنَّ نِسْيَانَ النَّاسِي لِتَسْمِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى ذَبِيحَتِهِ وَنَحِيرَتِهِ وَصَيْدِهِ -: فِسْقٌ؟ وَلَا قُلْنَا: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى نِسْيَانَهُ لِذَلِكَ: فِسْقًا، لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى ذَلِكَ الْعَقِيرَ الَّذِي لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ: فِسْقًا - هَذَا نَصُّ الْآيَةِ الَّذِي لَا يَجُوزُ إحَالَتُهَا عَنْهُ أَنَّ مَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ فِسْقٌ، وَالْفِسْقُ مُحَرَّمٌ، وَمَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَهُوَ مِمَّا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَهُوَ حَرَامٌ بِنَصِّ الْآيَةِ الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا سِوَاهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
نَا حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ نَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَاجِيَّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نَا أَحْمَدُ بْنُ مُسْلِمٍ نَا أَبُو ثَوْرٍ نَا مُعَلَّى نَا هُشَيْمٌ، عَنْ يُونُسَ هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute