للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُعَلَّمًا أَوْ غَيْرَ مُعَلَّمٍ فَالْمُعَلَّمُ هُوَ الَّذِي لَا يَنْطَلِقُ حَتَّى يُطْلِقَهُ صَاحِبُهُ، فَإِذَا أَطْلَقَهُ انْطَلَقَ، وَإِذَا أَخَذَ وَقَتَلَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْ ذَلِكَ الصَّيْدِ شَيْئًا، فَإِذَا تَعَلَّمَ هَذَا الْعَمَلَ، فَبِأَوَّلِ مُدَّةٍ يُقْتَلُ وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ شَيْئًا فَهُوَ مُعَلَّمٌ حَلَالٌ أَكْلُ مَا قَتَلَ مِمَّا أَطْلَقَهُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ إطْلَاقِهِ. وَسَوَاءٌ قَتَلَهُ بِجُرْحٍ أَوْ بِرَضٍّ، أَوْ بِصَدْمٍ، أَوْ بِخَنْقٍ كُلُّ ذَلِكَ حَلَالٌ. فَإِنْ قَتَلَهُ وَأَكَلَ مِنْ لَحْمِهِ شَيْئًا فَذَلِكَ الصَّيْدُ حَرَامٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهُ. وَسَوَاءٌ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا الْكَلْبُ، وَغَيْرُهُ مِنْ سِبَاعِ دَوَابِّ الْأَرْبَعِ، وَالْبَازِي وَغَيْرُهُ مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ وَلَا فَرْقَ. فَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُعَلَّمِ وَغَيْرِ الْمُعَلَّمِ فَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: ٤] . وَمَا سَنَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَمْ يُبِحْ لَنَا عَزَّ وَجَلَّ إلَّا مَا أَمْسَكَ عَلَيْنَا جَوَارِحُنَا الْمُعَلَّمَةُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا فِي التَّعْلِيمِ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُبِحْ لَنَا كَمَا ذَكَرْنَا إلَّا مَا أَمْسَكَ عَلَيْنَا جَوَارِحُنَا الْمُعَلَّمَةُ، وَبِالضَّرُورَةِ نَدْرِي أَنَّ سِبَاعَ الطَّيْرِ، وَذَوَاتَ الْأَرْبَعِ تَعْلَمُ التَّصَيُّدَ بِطَبْعِهَا لِأَنْفُسِهَا وَمَعَاشِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ شَيْءٍ زَائِدٍ تَعْلَمُهُ لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُهُ إلَّا أَنْ تَعَلُّمَهُ لَا بُدَّ مِنْ هَذَا ضَرُورَةً، وَإِلَّا فَكُلُّ جَارِحٍ فَهُوَ مُعَلَّمٌ - وَهَذَا خِلَافُ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَنِ، وَلَا يَقُولُهُ أَحَدٌ، فَإِذْ لَا بُدَّ مِنْ هَذَا فَلَيْسَ هَهُنَا شَيْءٌ يُمْكِنُ أَنْ تُعَلَّمَهُ إلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ.

وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمُتَقَدِّمُونَ فِي هَذَا فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: إذَا أَمْسَكَ وَلَمْ يَأْكُلْ وَفَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَهُوَ مُعَلَّمٌ يُؤْكَلُ مَا قَتَلَ بَعْدَ تِلْكَ الْمِرَارِ، وَلَمْ يَحُدَّا فِي ذَلِكَ حَدًّا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: إذَا أَمْسَكَ وَلَمْ يَأْكُلْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَهُوَ مُعَلَّمٌ يُؤْكَلُ مَا قَتَلَ فِي الرَّابِعَةِ وَلَا يُؤْكَلُ مَا قَتَلَ فِي تِلْكَ الثَّلَاثِ مَرَّاتٍ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: إذَا أَمْسَكَ فَلَمْ يَأْكُلْ مَرَّةً فَهُوَ مُعَلَّمٌ وَيُؤْكَلُ مَا قَتَلَ فِي الثَّانِيَةِ وَلَا يُؤْكَلُ مَا قَتَلَ فِي الْأُولَى. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: إذَا أَمْسَكَ وَلَمْ يَأْكُلْ فَأَوَّلُ مَرَّةٍ يَفْعَلُ ذَلِكَ يُؤْكَلُ مَا قَتَلَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُبَيِّنَا مَتَى

<<  <  ج: ص:  >  >>