يَحِلُّ أَكْلُ مَا قَتَلَ وَمَتَى لَا يَحِلُّ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَالسُّكُوتُ عَنْهُ أَوْلَى لِأَنَّهُ إشْكَالٌ مَحْضٌ، لَا بَيَانَ فِيهِ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَدِينُ اللَّهِ تَعَالَى بَيِّنٌ لَائِحٌ قَدْ فَصَّلَ لَنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا مِمَّا لَمْ يَحْرُمْ - وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ - فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ بِيَقِينٍ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ فَأَظْهَرُ فَسَادًا مِنْ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُمَا حَدَّا حَدًّا لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا مَعْقُولٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ حَدَّ بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ وَبَيْنَ مَنْ حَدَّ بِأَرْبَعٍ، أَوْ خَمْسٍ، أَوْ بِمَرَّتَيْنِ، أَوْ بِمَا زَادَ - وَكُلُّ ذَلِكَ، شَرْعٌ فِي الدِّينِ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ بِيَقِينٍ.
وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ فَإِنَّهُ احْتَجَّ بِأَنَّنَا لَمْ نَعْلَمْ أَنَّهُ مُعَلَّمٌ إلَّا بِتِلْكَ الْفِعْلَةِ الْأُولَى فَبِهَا عَلِمْنَا أَنَّهُ قَدْ تَعَلَّمَ فَهُوَ فِي الثَّانِيَةِ مُعَلَّمٌ يُؤْكَلُ مَا قَتَلَ. قَالَ عَلِيٌّ: فَقُلْنَا: صَدَقْتُمْ، إنَّهُ بِتِلْكَ الْفِعْلَةِ الْأُولَى عَلِمْنَا أَنَّهُ مُعَلَّمٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ قَبْلَهَا لَمْ يَكُنْ مُعَلَّمًا، فَلَمَّا صَحَّ أَنَّهُ مُعَلَّمٌ بِتِلْكَ الْفِعْلَةِ صَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ صَادَ تِلْكَ الْمَرَّةَ وَهُوَ مُعَلَّمٌ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُعَلَّمًا لَمَا أَتَى بِشُرُوطِ التَّعْلِيمِ، فَإِذْ صَادَهَا وَهُوَ مُعَلَّمٌ فَحَلَالٌ أَكْلُ مَا صَادَ فِيهَا. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ: وَهَذَا الْقَوْلُ الصَّحِيحُ بِلَا شَكٍّ. وَأَمَّا مَالِكٌ: فَلَمْ يُرَاعِ أَكْلَ الْجَارِحِ وَهُوَ خَطَأٌ لِمَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا جَوَازُ أَكْلِ مَا قَتَلَ كَيْفَمَا قَتَلَ فَإِنَّ قَوْمًا قَالُوا: لَا يُؤْكَلُ إلَّا مَا جَرَحَ لَا مَا قَتَلَ بِخَنْقٍ، أَوْ صَدْمٍ، أَوْ رَضٍّ، أَوْ غَمٍّ - وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: ٤] . قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا جَهْلٌ مِنْهُمْ، لِأَنَّ الْجَارِحَ الْكَاسِبُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} [الأنعام: ٦٠] وَحَتَّى لَوْ كَانَ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: (الْجَوَارِحِ) مِنْ الْجِرَاحِ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهُنَّ جَوَارِحَ، وَهُنَّ جَوَارِحُ، وَقَوَاتِلُ، بِلَا شَكٍّ، وَلَمْ يَقُلْ تَعَالَى: (لَا تَأْكُلُوا إلَّا مِمَّا وَلَّدْنَ فِيهِ جِرَاحَةً) بَلْ قَالَ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: ٤] وَلَمْ يَذْكُرْ تَعَالَى بِجِرَاحَةٍ، وَلَا بِغَيْرِ جِرَاحَةٍ، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: ٦٤] . وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قِسْنَا الْجَارِحَ عَلَى الْمِعْرَاضِ إنْ خُزِقَ أُكِلَ وَإِنْ رُضَّ لَمْ يُؤْكَلْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute