للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَمَا كَانَ شَيْءٌ مِنْهَا مُوَافِقًا لِهَذَا الْقَوْلِ؛ فَلَاحَ أَنَّ إيرَادَهُمْ لَهَا تَمْوِيهٌ مَحْضٌ - وَكَذَلِكَ الْآثَارُ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، إلَّا أَنَّ مِنْهَا مَا لَا يَصِحُّ وَلَا يُوَافِقُ مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ فَإِيرَادُهُمْ لَهَا تَمْوِيهٌ.

وَمِنْهَا شَيْءٌ يَصِحُّ وَيَظُنُّ مَنْ لَا يُنْعِمُ النَّظَرَ أَنَّهُ يُوَافِقُ مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ - عَلَى مَا نُورِدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ صَاحِبٍ قَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْهُمْ. وَأَمَّا دَعْوَى الْإِجْمَاعِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: قَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِ عَصِيرِ الْعِنَبِ إذَا أَسْكَرَ، وَاخْتُلِفَ فِيمَا عَدَاهُ - فَلَا يَحْرُمُ شَيْءٌ بِاخْتِلَافٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ عَلَيْهِمْ جُمْهُورَ أَقْوَالِهِمْ، وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ لَا يُوجِبُوا زَكَاةً إلَّا حَيْثُ أَوْجَبَهَا إجْمَاعٌ، وَلَا فَرِيضَةَ حَجٍّ أَوْ صَلَاةٍ إلَّا حَيْثُ صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِهَا، وَأَنْ لَا يُثْبِتُوا الرِّبَا إلَّا حَيْثُ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ رِبًا - وَمَنْ الْتَزَمَ هَذَا الْمَذْهَبَ خَرَجَ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ بِلَا شَكٍّ لِوَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَذْهَبٌ مُفْتَرًى لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ قَطُّ وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ وَإِنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِاتِّبَاعِ الْقُرْآنِ، وَسُنَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُولِي الْأَمْرِ بِاتِّبَاعِ الْإِجْمَاعِ، وَلَمْ يَأْمُرْ تَعَالَى قَطُّ بِأَنْ لَا يُتَّبَعَ إلَّا الْإِجْمَاعُ، وَلَا قَالَ تَعَالَى قَطُّ، وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: لَا تَأْخُذُوا مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ إلَّا مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ - وَمَنْ ادَّعَى هَذَا فَقَدْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَتَى بِدِينٍ مُبْتَدَعٍ وَبِالضَّلَالِ الْمُبِينِ. إنَّمَا قَالَ تَعَالَى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} [الأعراف: ٣] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: ٧] . وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء: ٥٩] وَلَمْ يَقُلْ تَعَالَى: فَرُدُّوهُ إلَى الْإِجْمَاعِ، فَمَنْ رَدَّ مَا تُنُوزِعَ فِيهِ إلَى الْإِجْمَاعِ لَا إلَى نَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَشَرَعَ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا نَحْنُ فَنَتَّبِعُ الْإِجْمَاعَ فِيمَا صَحَّ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَيْهِ وَلَا نُخَالِفُهُ أَصْلًا، وَنَرُدُّ مَا تُنُوزِعَ فِيهِ إلَى الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ، فَنَأْخُذُ مَا فِيهِمَا وَإِنْ لَمْ يُجْمَعْ عَلَى الْأَخْذِ بِهِ - وَبِهَذَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ وَمَا نَعْلَمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>