أَحَدًا قَالَ قَطُّ: لَا أَلْتَزِمُ فِي شَيْءٍ مِنْ الدِّينِ إلَّا مَا أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ؛ فَقَدْ صَارُوا بِهَذَا الْأَصْلِ مُخَالِفِينَ لِلْإِجْمَاعِ بِلَا شَكٍّ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ مَذْهَبٌ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُلْتَفَتَ لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ إذَا وُجِدَ الِاخْتِلَافُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِهِمَا، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ فِي شَيْءٍ مَعَ أَنَّهُ فِي أَكْثَرِ الْأَمْرِ كَذِبٌ عَلَى الْأُمَّةِ وَقَوْلٌ بِلَا عِلْمٍ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ لَا يَلْتَزِمُونَ هَذَا الْأَصْلَ الْفَاسِدَ إلَّا فِي مَسَائِلَ قَلِيلَةٍ جِدًّا - وَهُوَ مُبْطِلٌ لِسَائِرِ مَذَاهِبِهِمْ كُلِّهَا فَعَادَ عَلَيْهِمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْأَخْبَارُ: فَمِنْهَا خَبَرٌ صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حُرِّمَتْ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا الْقَلِيلُ مِنْهَا وَالْكَثِيرُ وَالْمُسْكِرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ -: وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ نا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ نا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ أَبِي عَوْنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّنَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مَنْصُورٍ نا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ نا شُعْبَةُ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ أَبِي عَوْنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حُرِّمَتْ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا، وَالْمُسْكِرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ وَشُعْبَةَ بِلَا خِلَافٍ أَضْبَطُ وَأَحْفَظُ مِنْ أَبِي نُعَيْمٍ. وَقَدْ رَوَى فِيهِ زِيَادَةً عَلَى مَا رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ، وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ لَا يَحِلُّ تَرْكُهَا، وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ مَا يَمْنَعُ مِنْ تَحْرِيمِ غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا فِي رِوَايَتِهِ إذَا جَاءَ بِتَحْرِيمِهِ نَصٌّ صَحِيحٌ. وَقَدْ صَحَّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ تَحْرِيمُ الْمُسْكِرِ جُمْلَةً - وَصَحَّ عَنْهُ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا تَحْرِيمُ نَبِيذِ الْبُسْرِ بَحْتًا فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ. وَمِنْهَا: خَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهِ «فَانْتَبِذُوا فِيهَا - يَعْنِي فِي الظُّرُوفِ - فَإِنَّ الظُّرُوفَ لَا تَحِلُّ شَيْئًا وَلَا تُحَرِّمُ وَلَا تَسْكَرُوا» وَأَنَّ عُمَرَ قَالَ لَهُ «يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا قَوْلُكَ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ؟ قَالَ: اشْرَبْ، فَإِذَا خِفْتَ فَدَعْ» . وَخَبَرٌ: مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اشْرَبَا وَلَا تَسْكَرَا» وَكِلَاهُمَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute