وَكُلُّ هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ خَبَرَ ابْنِ عُمَرَ هُوَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ نَافِعٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ ابْنِ أَخِي الْقَعَْقَاعِ كِلَاهُمَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ مُسْنَدًا، وَكِلَاهُمَا مَجْهُولٌ وَضَعِيفٌ سَوَاءٌ كَانَا اثْنَيْنِ أَوْ كَانَا إنْسَانًا وَاحِدًا، ثُمَّ هُوَ عَنْهُمَا مِنْ طَرِيقِ أَسْبَاطِ بْنِ مُحَمَّدِ الْقُرَشِيِّ، وَلَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَقُرَّةَ الْعِجْلِيّ، وَالْعَوَّامِ؛ وَكُلُّهُمْ ضَعِيفٌ. وَأَمَّا خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَهُوَ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - وَيَزِيدَ ضَعِيفٌ، وَقَدْ رُوِّينَا عَنْهُ فِي الرِّوَايَاتِ السُّودِ خَبَرًا مَوْضُوعًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ يَتَّهِمُ غَيْرَهُ - وَقَدْ ضَعَّفَهُ شُعْبَةُ، وَأَحْمَدُ، وَيَحْيَى. وَأَمَّا خَبَرُ أَبِي مَسْعُودٍ فَهُوَ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ يَمَانٍ، وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبَانَ وَكِلَاهُمَا مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ - ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ أَعْظَمَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ فِيهَا كُلِّهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَزَجَهُ بِالْمَاءِ ثُمَّ شَرِبَهُ - وَهَذَا لَا يَخْلُو ضَرُورَةً مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ -: إمَّا أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ النَّبِيذُ مُسْكِرًا فَهِيَ كُلُّهَا مُوَافِقَةٌ لِقَوْلِنَا. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُسْكِرًا كَمَا يَقُولُونَ، فَإِنْ كَانَ مُسْكِرًا فَصَبُّ الْمَاءِ عَلَى الْمُسْكِرِ عِنْدَهُمْ لَا يُخْرِجُهُ عِنْدَهُمْ عَنْ التَّحْرِيمِ إلَى التَّحْلِيلِ، وَلَا يَنْقُلُهُ عَنْ حَالِهِ أَصْلًا إنْ كَانَ قَبْلَ صَبِّ الْمَاءِ حَرَامًا فَهُوَ عِنْدَهُمْ بَعْدَ صَبِّهِ حَرَامٌ. وَإِنْ كَانَ قَبْلَ صَبِّهِ حَلَالًا فَهُوَ بَعْدَ صَبِّهِ حَلَالٌ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ صَبِّهِ مَكْرُوهًا فَهُوَ بَعْدَ صَبِّهِ مَكْرُوهٌ، فَقَدْ خَالَفُوهُ كُلَّهَا وَجَعَلُوا فِعْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي حَقَّقُوهُ عَلَيْهِ بَاطِلًا عِنْدَهُمْ وَلَغْوًا لَا مَعْنَى لَهُ، وَهَذَا كَمَا تَرَى. وَإِنْ كَانَ صَبُّ الْمَاءِ نَقَلَهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُسْكِرًا إلَى أَنْ لَا يَكُونَ مُسْكِرًا فَلَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ فِيهِ حِينَئِذٍ أَصْلًا، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُسْكِرًا فَلَا نُخَالِفُهُمْ فِي أَنَّهُ حَلَالٌ - فَعَادَ عَلَيْهِمْ جُمْلَةً. وَخَبَرٌ: مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «اشْرَبُوا مَا طَابَ لَكُمْ فَإِذَا خَبُثَ فَذَرُوهُ» وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَهْرَامُ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ - وَكِلَاهُمَا سَاقِطٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً قَاطِعَةً عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ مَعْنَى " إذَا خَبُثَ " إذَا أَسْكَرَ، لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ هَذَا أَصْلًا، وَإِلَّا فَلْيُعَرِّفُونَا مَا مَعْنَى «إذَا خَبُثَ فَذَرُوهُ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute