أَنَّ قَوْلَهُ " الشَّرْبَةُ الْآخِرَةُ " مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ تَأْوِيلٌ مِنْهُ - وَهُوَ أَيْضًا فَاسِدٌ مِنْ التَّأْوِيلِ لِمَا نُبَيِّنُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَخَبَرٌ مُرْسَلٌ: مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ فِيهِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شَرِبَ مِنْ نَبِيذِ سِقَايَةِ زَمْزَمَ فَشَدَّ وَجْهَهُ، ثُمَّ صَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، ثُمَّ شَرِبَ مِنْهُ» - وَهَذَا لَا شَيْءَ؛ لِأَنَّهُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَمَّنْ لَمْ يُسَمِّهِ عَنْ مُجَاهِدٍ فَهُوَ مَقْطُوعٌ وَمُرْسَلٌ مَعًا - ثُمَّ هُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ صَبَّ الْمَاءِ لَا يَنْقُلُهُ عِنْدَهُمْ مِنْ تَحْلِيلٍ إلَى تَحْرِيمٍ وَلَا مِنْ تَحْرِيمٍ إلَى تَحْلِيلٍ وَلَا لَهُ عِنْدَهُمْ فِيهِ مَعْنًى، فَإِنْ نَقَلَهُ إلَى أَنْ لَا يُسْكِرَ فَهُوَ قَوْلُنَا فِي أَنَّهُ حَلَالٌ إذَا لَمْ يُسْكِرْ. هَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ تَقَصَّيْنَاهُ بِأَجْمَعِهِ وَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، وَأَنَّ أَكْثَرَ مَا أَوْرَدُوا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لَنَا. وَذَكَرُوا عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - آثَارًا -: مِنْهَا: عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ قِرْصَافَةَ - امْرَأَةٌ مِنْهُمْ - عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: اشْرَبُوا وَلَا تَسْكَرُوا - وَسِمَاكٌ ضَعِيفٌ، وَقِرْصَافَةُ مَجْهُولَةٌ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ إبَاحَةُ مَا أَسْكَرَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ قِرْصَافَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ لَهَا: اشْرَبِي وَلَا تَشْرَبِي مُسْكِرًا - فَسِمَاكٌ عَنْ قِرْصَافَةَ مَرَّةً [قَالَ] لَنَا عَلَيْهِمْ، وَمَرَّةً لَا لَنَا وَلَا لَهُمْ؟ وَمِنْ طَرِيقِ سُمَيَّةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: إنْ خَشِيت مِنْ نَبِيذِك فَاكْسِرْهُ بِالْمَاءِ - وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا لِأَنَّهُ إذَا خَشِيَ إسْكَارَهُ كَسَرَهُ بِالْمَاءِ، وَالثَّابِتُ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ تَحْرِيمُ كُلِّ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ ذِي حَدَّانَ أَوْ ابْنِ ذِي لَعْوَةَ: أَنَّ رَجُلًا شَرِبَ مِنْ سَطِيحَةٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَسَكِرَ، فَأُتِيَ بِهِ عُمَرَ، فَقَالَ: إنَّمَا شَرِبْت مِنْ سَطِيحَتِك؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إنَّمَا أَضْرِبُك عَلَى السُّكْرِ، ابْنُ ذِي حَدَّانَ أَوْ ابْنُ ذِي لَعْوَةَ مَجْهُولَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إنَّا نَشْرَبُ مِنْ هَذَا النَّبِيذِ شَرَابًا يَقْطَعُ لُحُومَ الْإِبِلِ، قَالَ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ: وَشَرِبْت مِنْ شَرَابِهِ فَكَانَ كَأَشَدِّ النَّبِيذِ - وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ " إنَّا لَنَشْرَبُ هَذَا الشَّرَابَ الشَّدِيدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute