وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَا شَرِبَا عَصِيرَ عِنَبٍ ظَنًّا أَنَّهُ لَا يُسْكِرُ فَسَكِرَا - وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يَدْفَعُ هَذَا، فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ مُتَعَلِّقٌ إلَّا أَنْ يَقُولُوا: إنَّ الْخَمْرَ هِيَ عَصِيرُ الْعِنَبِ فَقَطْ وَمَا سِوَاهَا فَلَيْسَ خَمْرًا - فَهَذَا مَكَانٌ لَا مَنْفَعَةَ لَهُمْ فِيهِ لَوْ صَحَّ لَهُمْ إذَا ثَبَتَ تَحْرِيمُ كُلِّ مُسْكِرٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَفِي هَذَا نَازَعْنَاهُمْ لَا فِي التَّسْمِيَةِ فَقَطْ، فَإِذْ لَمْ يَبْقَ إلَّا هَذَا فَقَطْ فَنَحْنُ نُوجِدُهُمْ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، نَعَمْ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ نَفْسِهِ بِأَصَحَّ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ مِنْ طَرِيقٍ ثَابِتَةٍ أَنَّ الْخَمْرَ مِنْ غَيْرِ الْعِنَبِ أَيْضًا -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ نا عَبْدُ الْعَزِيزِ هُوَ الدَّرَاوَرْدِيُّ - حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَإِنَّ بِالْمَدِينَةِ خَمْسَةَ أَشْرِبَةٍ كُلَّهَا يَدْعُونَهَا الْخَمْرَ مَا فِيهَا خَمْرُ الْعِنَبِ؛ فَهَذَا بَيَانُ خَبَرِهِمْ بِمَا يُبْطِلُ تَعَلُّقَهُمْ بِهِ، فَإِذَا أَوْجَدْنَاهُمْ هَذَا فَقَدْ صَحَّ التَّنَازُعُ، وَوَجَبَ الرَّدُّ لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ كَمَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا إنْ كُنَّا مُؤْمِنِينَ. وَقَالُوا أَيْضًا: قَدْ صَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ تَحْرِيمُ السُّكْرِ وَعَصِيرُ الْعِنَبِ إذَا أَسْكَرَ وَإِبَاحَةُ كُلِّ مَا أَسْكَرَ مِنْ الْأَنْبِذَةِ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ قَالَ: رَأَيْت عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى يَشْرَبُ نَبِيذَ الْجُرِّ بَعْدَ أَنْ يَسْكُنَ غَلَيَانُهُ - يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ ضَعِيفٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ كَانَ يَشْرَبُ الطِّلَاءَ الشَّدِيدَ - وَهَذَا يَخْرُجُ عَلَى أَنَّهُ لَفِيفٌ جِدًّا - فَلَوْ كَانَتْ حَرَامًا مَا خَفِيَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ سَلَفَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِوَضْعِ الْأَيْدِي عَلَى الرُّكَبِ فِي الصَّلَاةِ، وَقَدْ خَفِيَ ذَلِكَ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ [أَبَدًا] . وَيَقُولُونَ: بِأَنْ يَتَيَمَّمَ الْجُنُبُ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ، وَقَدْ خَفِيَ ذَلِكَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ مَسْعُودٍ. وَقَدْ خَفِيَ عَلَى الْأَنْصَارِ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» حَتَّى ذُكِّرُوا بِهِ - وَالْأَمْرُ هُنَا يَتَّسِعُ، وَلَيْسَ كُلُّ صَاحِبٍ يُحِيطُ بِجَمِيعِ السُّنَنِ. وَقَالُوا أَيْضًا: قَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ، وَلَا يَكْفُرُ مَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute