لَمْ يُحَرِّمْ مَا سِوَاهَا مِنْ الْأَنْبِذَةِ الْمُسْكِرَةِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا شَيْءَ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَدْنَا إنْسَانًا غَابَ عَنْهُ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ فَلَمْ يَبْلُغْهُ لَمَا كَفَّرْنَاهُ فِي إحْلَالِهَا حَتَّى يَبْلُغَ إلَيْهِ الْأَمْرُ، فَحِينَئِذٍ إنْ أَصَرَّ عَلَى اسْتِحْلَالِ مُخَالَفَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَفَرَ، لَا قَبْلَ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ مُسْتَحِلُّ النَّبِيذِ الْمُسْكِرِ وَكُلَّ مَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْرِيمُهُ لَا يَكْفُرُ مِنْ جَهْلِ ذَلِكَ وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ بِهِ - فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَهُ، وَصَحَّ لَدَيْهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّمَ ذَلِكَ فَأَصَرَّ عَلَى اسْتِحْلَالِ مُخَالَفَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ كَافِرٌ وَلَا بُدَّ، وَلَا يَكْفُرُ جَاهِلٌ أَبَدًا حَتَّى يَبْلُغَهُ الْحُكْمُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا بَلَغَهُ وَثَبَتَ عِنْدَهُ فَحِينَئِذٍ يَكْفُرُ إنْ اعْتَقَدَ مُخَالَفَتَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَيَفْسُقُ إنْ عَمِلَ بِخِلَافِهِ غَيْرَ مُعْتَقِدٍ لِجَوَازِ ذَلِكَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: ٦٥] وَقَالَ تَعَالَى: {لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: ١٩] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَسَقَطَ كُلُّ مَا شَغَبَ بِهِ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ، وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٌ مِمَّا أَوْرَدُوا كُلَّهُ أَوَّلُهُ عَنْ آخِرِهِ وَلَا لَفْظَةٌ وَاحِدَةٌ مُوَافِقَةٌ لِقَوْلِهِمْ: أَنَّ الْخَمْرَ الْمُحَرَّمَةَ لَيْسَتْ إلَّا عَصِيرَ الْعِنَبِ فَقَطْ دُونَ نَقِيعِ الزَّبِيبِ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ وَلَا كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ مُوَافِقَةٌ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ الْخَمْرَ الْمُحَرَّمَةَ لَيْسَتْ إلَّا نَقِيعَ الزَّبِيبِ الَّذِي لَمْ يُطْبَخْ، وَعَصِيرَ الْعِنَبِ إذَا أَسْكَرَ. فَصَحَّ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ فَاسِدَانِ مُبْتَدَعَانِ خَارِجَانِ عَنْ كُلِّ أَثَرٍ ثَبَتَ أَوْ لَمْ يَثْبُتْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ: هُوَ الَّذِي رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - وَهُوَ الَّذِي يَنْصُرُهُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ مُقَلِّدِيهِ - عَلَى أَنَّ ذَلِكَ التَّفْسِيرَ لَا يُحْفَظُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ آرَائِهِمْ الْخَبِيثَةِ - وَالْمَحْفُوظُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي كَلَامِهِ فِي الْعِتْقِ الَّذِي بَيْنَ كَلَامِهِ فِي الْكَرَاهَةِ وَكَلَامِهِ فِي الرَّهْنِ قَالَ مُحَمَّدٌ: أَنَا يَعْقُوبُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ: الْخَمْرُ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا حَرَامٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَالسُّكْرُ عِنْدَنَا حَرَامٌ مَكْرُوهٌ وَنَقِيعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute