الزَّبِيبِ عِنْدَنَا إذَا اشْتَدَّ وَغَلَى عِنْدَنَا حَرَامٌ مَكْرُوهٌ - وَالطِّلَاءُ مَا زَادَ عَلَى مَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ - وَكَانَ يَكْرَهُ دُرْدِيَّ الْخَمْرِ أَنْ يُشْرَبَ وَأَنْ تَمْتَشِطَ بِهِ الْمَرْأَةُ وَلَا يُحَدُّ مَنْ شَرِبَهُ إلَّا أَنْ يَسْكَرَ فَإِنْ سَكِرَ حُدَّ. هَذَا نَصُّ كَلَامِهِمْ هُنَالِكَ، وَدُرْدِيُّ الْخَمْرِ هُوَ الْعَكَرُ الَّذِي يُعْقَدُ مِنْهَا فِي قَاعِ الدَّنِّ. وَهُوَ خَمْرٌ بِلَا شَكٍّ، فَاعْجَبُوا لِهَذَا الْهَوَسِ وَأَمَّا رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فَإِنَّمَا هِيَ -: قَالَ مُحَمَّدٌ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْأَنْبِذَةُ كُلُّهَا حَلَالٌ إلَّا أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: الْخَمْرُ، وَالْمَطْبُوخُ إذَا لَمْ يَذْهَبْ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ، وَنَقِيعُ التَّمْرِ فَإِنَّهُ السَّكَرُ، وَنَقِيعُ الزَّبِيبِ. وَلَا خِلَافَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَنَّ نَقِيعَ الدُّوشَاتِ عِنْدَهُ حَلَالٌ وَإِنْ أَسْكَرَ، وَكَذَلِكَ نَقِيعُ الرُّبِّ وَإِنْ أَسْكَرَ -: وَالدُّوشَاتُ مِنْ التَّمْرِ، وَالرُّبُّ مِنْ الْعِنَبِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: كُلُّ شَرَابٍ مِنْ الْأَنْبِذَةِ يَزْدَادُ جَوْدَةً عَلَى التَّرْكِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَإِلَّا أُجِيزَ بَيْعُهُ وَوَقْتُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ، فَإِذَا بَقِيَ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ، فَإِنْ كَانَ فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَأَقَلَّ فَلَا بَأْسَ، بِهِ - وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ. هَذَا كَلَامُهُمْ فِي الْأَصْلِ الْكَبِيرِ، ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ مِمَّا عَدَا الْخَمْرَ أَكْرَهُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ. فَإِنْ صَلَّى إنْسَان وَفِي ثَوْبِهِ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَأَعَادَهَا أَبَدًا فَاعْجَبُوا لِهَذِهِ السَّخَافَاتِ لَئِنْ كَانَ تُعَادُ مِنْهُ الصَّلَاةُ أَبَدًا فَهُوَ نَجِسٌ، فَكَيْفَ يُبِيحُ شُرْبَ النَّجِسِ؟ وَلَئِنْ كَانَ حَلَالًا فَلِمَ تُعَادُ الصَّلَاةُ مِنْ الْحَلَالِ؟ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَأَوَّلُ فَسَادِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ أَنَّهَا كُلُّهَا أَقْوَالٌ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ شَيْءٌ يُوَافِقُهَا وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ السُّنَنِ، وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ الضَّعِيفَةِ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَا صَحِيحٍ وَلَا غَيْرِ صَحِيحٍ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا أَحَدٍ قَبْلَ أَبِي يُوسُفَ فِي تَحْدِيدِهِ عَشَرَةَ الْأَيَّامِ فَيَا لِعَظِيمِ مُصِيبَةِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ فِي أَنْفُسِهِمْ إذْ يُشَرِّعُونَ الشَّرَائِعَ فِي الْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ مِنْ ذَوَاتِ أَنْفُسِهِمْ ثُمَّ بِأَسْخَفِ قَوْلٍ وَأَبْعَدِهِ عَنْ الْمَعْقُولِ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute