للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَهَذِهِ نِقْمَةٌ مُتَوَعَّدٌ بِهَا مَعَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ، فَالْكَفَّارَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ عَلَى عُمُومِهَا إمَّا مُسْقِطَةٌ لِلذَّنْبِ وَعُقُوبَتُهُ فِي الْآخِرَةِ فِي الزِّنَى وَالْقَتْلِ، وَالْبُهْتَانِ الْمُفْتَرَى، وَالْمَعْصِيَةِ فِي الْمَعْرُوفِ، وَإِمَّا غَيْرُ مُسْقِطَةٍ لِلذَّنْبِ، وَعُقُوبَتُهُ فِي الْآخِرَةِ، وَهِيَ قَتْلُ الْمُشْرِكِ عَلَى شِرْكِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ فَهُوَ إلَى اللَّهِ إنْ شَاءَ عَاقَبَهُ وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ» فَلَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ خَفِيَ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا عَلَى عُمُومِهِ؟ وَأَنَّ الْمَلَائِكَةَ وَالرُّسُلَ، وَالْأَنْبِيَاءَ، وَالصَّالِحِينَ، وَالْفُسَّاقَ وَالْكُفَّارَ، وَإِبْلِيسَ، وَفِرْعَوْنَ، وَأَبَا جَهْلٍ، وَأَبَا لَهَبٍ، كُلَّهُمْ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى يَفْعَلُ فِيهِمْ مَا يَشَاءُ مِنْ عُقُوبَةٍ أَوْ عَفْوٍ، إلَّا أَنَّهُ تَعَالَى قَدْ بَيَّنَ أَنَّهُ يُعَاقِبُ الْكُفَّارَ وَلَا بُدَّ، وَإِبْلِيسَ، وَأَبَا لَهَبٍ، وَأَبَا جَهْلٍ، وَفِرْعَوْنَ، وَلَا بُدَّ - وَيَرْضَى عَنْ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّسُلِ، وَالْأَنْبِيَاءِ، وَالصَّالِحِينَ، وَلَا بُدَّ، وَكُلُّهُمْ فِي الْمَشِيئَةِ وَلَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَنْ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، مَنْ عَاقَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَدْ شَاءَ أَنْ يُعَاقِبَهُ، وَمَنْ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ فَقَدْ شَاءَ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ. أَمَّا عِلْمُ الْجَاهِلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ شَاءَ أَنْ يُعَذِّبَ الْمَلَائِكَةَ، وَالرُّسُلَ، وَيُنْعِمَ الْكُفَّارَ لَمَا مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ، لَكِنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَشَأْ ذَلِكَ. أَمَا سَمِعَ قَوْله تَعَالَى {يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} [آل عمران: ١٢٩] وقَوْله تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: ٥٣] ثُمَّ اسْتَثْنَى الشِّرْكَ جُمْلَةً أَبَدِيَّةً، وَمَنْ رَجَحَتْ كَبَائِرُهُ وَسَيِّئَاتُهُ حَتَّى يَخْرُجُوا بِالشَّفَاعَةِ. أَمَا عَقَلَ أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنْ شَاءَ عَاقَبَهُ وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ» لَيْسَ فِيهِ إيجَابٌ لِأَحَدِهِمَا وَلَا بُدَّ، وَأَنَّ ذَلِكَ مَرْدُودٌ إلَى سَائِرِ النُّصُوصِ. فَهَلْ فِي الضَّلَالِ أَشْنَعُ مِمَّنْ جَعَلَ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ النَّخْلَةِ وَالْعِنَبَةِ» عَلَى غَيْرِ الْحَقِيقَةِ؟ بَلْ عَلَى التَّدْلِيسِ فِي الدِّينِ وَإِلَّا فَأَيُّ وَجْهٍ لَأَنْ يُرِيدَ أَنْ يُبَيِّنَ عَلَيْنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا مِنْ أَنَّ الْخَمْرَ مِنْ الْعِنَبِ فَقَطْ فَيُقْحِمَ فِي ذَلِكَ النَّخْلَةَ، وَهِيَ لَا تَكُونُ الْخَمْرُ مِنْهَا؟ هَلْ هَذَا إلَّا فِعْلُ الْفُسَّاقِ وَالْمُلْغِزِينَ فِي الدِّينِ، الْعَابِثِينَ فِي كَلَامِهِمْ؟ فَسُحْقًا

<<  <  ج: ص:  >  >>