عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنِّي أُتِيت بِشَرَابٍ قَدْ طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ فَذَهَبَ مِنْهُ شَيْطَانُهُ وَرِيحُ جُنُونِهِ وَبَقِيَ طِيبُهُ وَحَلَالُهُ فَمُرْ الْمُسْلِمِينَ قِبَلَك فَلْيَتَوَسَّعُوا بِهِ فِي شَرَابِهِمْ، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ فِي إبْطَالِ تَحْرِيمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّمْرَ، وَالزَّبِيبَ مَخْلُوطَيْنِ فِي النَّبِيذِ بِأَنْ قَالُوا: لَوْ شَرِبَ هَذَا ثُمَّ هَذَا أَكَانَ يَحْرُمُ ذَلِكَ عَلَيْهِ؟ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ خَلْطِهِمَا قَبْلَ شُرْبِهِمَا وَبَيْنَ خَلْطِهِمَا فِي جَوْفِهِ؟ فَقُلْنَا: لَا يَحِلُّ أَنْ يُعَارَضَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِ هَذَا، لَكِنْ تُعَارِضُونَ أَنْتُمْ فِي بِدْعَتِكُمْ هَذِهِ الْمُضِلَّةِ بِأَنْ نَقُولَ لَكُمْ: أَرَأَيْتُمْ الْعَصِيرَ إذَا أَسْكَرَ قَبْلَ أَنْ يُطْبَخَ، ثُمَّ طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ أَيَحِلُّ عِنْدَكُمْ؟ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: لَا، فَنَقُولُ لَهُمْ: فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ طَبْخِهِ بَعْدَ أَنْ يُسْكِرَ وَبَيْنَ طَبْخِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْكِرَ، وَالسُّكْرُ حَاصِلٌ فِيهِ فِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ؟ فَإِذَا أَبْطَلَ الطَّبْخُ تَحْرِيمَهُ إذَا أَسْكَرَ بَعْدَهُ كَذَلِكَ يَبْطُلُ تَحْرِيمُهُ إذَا أَسْكَرَ قَبْلَهُ وَهَذَا أَصَحُّ فِي الْمُعَارَضَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ وَغَيْرِ عُمَرَ أَنَّهُمْ لَمْ يُرَاعُوا ثُلُثَيْنِ وَلَا ثُلُثًا -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ قَالَ: قَدِمْنَا الْجَابِيَةَ مَعَ عُمَرَ فَأُتِينَا بِالطِّلَاءِ وَهُوَ مِثْلُ عَقْدِ الرُّبِّ إنَّمَا يُخَاضُ بِالْمَخُوضِ خَوْضًا فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إنَّ فِي هَذَا لَشَرَابًا مَا انْتَهَى إلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا سُوَيْد بْنُ نَصْرٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ - عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قِرَاءَةٌ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: وَاَللَّهِ مَا تُحِلُّ النَّارُ شَيْئًا وَلَا تُحَرِّمُهُ قَالَ: ثُمَّ فَسَّرَ لِي قَوْلَهُ: لَا تُحِلُّ النَّارُ شَيْئًا لِقَوْلِهِمْ فِي الطِّلَاءِ وَلَا تُحَرِّمُهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ سِوَاهُ - وَصَحَّ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الطِّلَاءِ؟ فَقَالَ: أَرَأَيْت الَّذِي مِثْلَ الْعَسَلِ تَأْكُلُهُ بِالْخُبْزِ وَتَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ فَتَشْرَبُهُ؟ عَلَيْك بِهِ، وَلَا تَقْرَبْ مَا دُونَهُ وَلَا تَشْتَرِهِ، وَلَا تَسْقِهِ، وَلَا تَبِعْهُ، وَلَا تَسْتَعِنْ بِثَمَنِهِ - فَإِنَّمَا رَاعَى عُمَرَ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ مَا لَا يُسْكِرُ فَأَحَلُّوهُ، وَمَا يُسْكِرُ فَحَرَّمُوهُ. وَقَدْ صَحَّ عِنْدَنَا أَنَّ بِجِبَالِ رَيَّةَ أَعْنَابًا إذَا طُبِخَ عَصِيرُهَا فَنَقَصَ مِنْهُ الرُّبْعُ صَارَ رُبًّا خَائِرًا لَا يُسْكِرُ بَعْدَهَا كَالْعَسَلِ فَهَذَا حَلَالٌ بِلَا شَكٍّ. وَشَاهَدْنَا بِالْجَزَائِرِ أَعْنَابًا رَمْلِيَّةً تُطْبَخُ حَتَّى تَذْهَبَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا وَهِيَ بَعْدُ خَمْرٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute