وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ هُوَ ابْنُ بِنْتِ مَنِيعٍ الْبَغَوِيّ قَالَ أَبُو دَاوُد: نا قُتَيْبَةَ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: نا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْهَاشِمِيُّ، ثُمَّ اتَّفَقَ قُتَيْبَةَ، وَسُلَيْمَانُ، وَقَالَا جَمِيعًا: نا إسْمَاعِيلُ هُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - نا دَاوُد بْنُ بَكْرٍ هُوَ ابْنُ أَبِي الْفُرَاتِ - نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» . وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَذِهِ الْآثَارُ الْمُتَظَاهِرَةُ الثَّابِتَةُ الصِّحَاحُ الْمُتَوَاتِرَةُ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي مُوسَى، وَابْنِ عُمَرَ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وَالدَّيْلَمِ بْنِ الْهَوْشَعِ كُلِّهِمْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ وَلَا يُقْدَرُ فِيهِ عَلَى حِيلَةٍ، بَلْ بِالنَّصِّ عَلَى تَحْرِيمِ الشَّرَابِ نَفْسِهِ إذَا أَسْكَرَ وَتَحْرِيمِ شَرَابِ الْعَسَلِ، وَشَرَابِ الشَّعِيرِ، وَشَرَابِ الْقَمْحِ إذَا أَسْكَرَ، وَشَرَابِ الذُّرَةِ إذَا أَسْكَرَ، وَتَحْرِيمِ الْقَلِيلِ مِنْ كُلِّ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ بِخِلَافِ مَا يَقُولُ مَنْ خَذَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَحَرَمَهُ التَّوْفِيقَ. وَقَدْ رُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّهْيَ عَنْ قَلِيلِ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ وَهُمْ يُوَثِّقُونَهَا إذَا وَافَقَتْ أَهْوَاءَهُمْ وَجَلَّحَ بَعْضُهُمْ بِعَدَمِ الْحَيَاءِ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْآثَارِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» فَقَالَ: إنَّمَا عَنَى الْكَأْسَ الْأَخِيرَ الَّذِي يُسْكَرُ مِنْهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ مِنْ وُجُوهٍ -: أَحَدُهَا: أَنَّهُ دَعْوَى كَاذِبَةٌ بِلَا دَلِيلٍ وَافْتِرَاءٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْبَاطِلِ، وَتَقْوِيلٌ لَهُ مَا لَمْ يَقُلْهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ مُرَادِهِ، وَهَذَا يُوجِبُ النَّارَ لِفَاعِلِهِ. وَثَانِيهَا: أَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِذَلِكَ فِي شَرَابِ الْعَسَلِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالتُّفَّاحِ، وَالْإِجَّاصِ وَالْكُمَّثْرَى، وَالْقَرَاسْيَا، وَالرُّمَّانِ، وَالدُّخْنِ، وَسَائِرِ الْأَشْرِبَةِ، إنَّمَا يَقُولُونَهُ فِي مَطْبُوخِ التَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ، وَالْعَصِيرِ فَقَطْ، فَلَاحَ خِلَافُهُمْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جِهَارًا. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ تَأْوِيلٌ أَحْمَقُ وَتَخْرِيجٌ سَخِيفٌ، قَدْ نَزَّهَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَنْ يُرِيدَهُ، بَلْ قَدْ نَزَّهَ اللَّهُ تَعَالَى كُلَّ ذِي مُسْكَةِ عَقْلٍ عَنْ أَنْ يَقُولَهُ لِأَنَّنَا نَسْأَلُهُمْ أَيُّ ذَلِكَ هُوَ الْمُحَرَّمُ عِنْدَكُمْ؟ الْكَأْسُ الْآخِرَةُ أَمْ الْجَرْعَةُ الْآخِرَةُ، أَمْ آخِرُ نُقْطَةٍ تَلِجُ حَلْقَهُ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute