وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبُهُ: إنْ نَذَرَ أَنْ يَنْحَرَ أَبَاهُ، أَوْ أُمَّهُ، إنْ فَعَلْت كَذَا وَكَذَا، فَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ كَالْحُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي الِابْنِ أَيْضًا.
وَكَذَلِكَ إنْ نَذَرَ ذَلِكَ بِمِنًى، أَوْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَكَمَا لَوْ نَذَرَهُ عِنْدَ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ - وَهَذِهِ أَقْوَالٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَخِلَافٌ لِلسَّلَفِ.
وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: مَنْ قَالَ: أَنَا أَنْحَرُ ابْنِي عِنْدَ الْبَيْتِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ، وَيَحُجَّ بِابْنِهِ وَيُهْدِيَ هَدْيًا.
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: مَنْ قَالَ: أَنَا أَنْحَرُ فُلَانًا عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَإِنَّهُ يُحِجُّهُ، أَوْ يُعْمِرُهُ، وَيُهْدِي، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَحَدٌ ذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ مَا نَوَى فَقَطْ -: وَهَذِهِ أَقْوَالٌ لَا بُرْهَانَ عَلَيْهَا، فَلَا وَجْهَ لِلِاشْتِغَالِ بِهَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ ذَلِكَ إلَّا الِاسْتِغْفَارَ فَقَطْ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: ٢٩] .
وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ} [الأنعام: ١٥١] .
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» وَلَمْ يَأْمُرْهُ فِي ذَلِكَ بِكَفَّارَةٍ، وَلَا هَدْيٍ {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: ٣] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٤] .
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: ٦٤] .
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْت سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى يُحَدِّثُ عَطَاءً أَنَّ رَجُلًا أَتَى إلَى ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ: نَذَرْت لَأَنْحَرَنَّ نَفْسِي؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: أَوْفِ مَا نَذَرْت، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: أَفَأَقْتُلُ نَفْسِي؟ قَالَ لَهُ إذْنَ تَدْخُلُ النَّارَ، قَالَ لَهُ: أَلْبَسْت عَلَيَّ قَالَ: أَنْتَ أَلْبَسْت عَلَى نَفْسِك؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَبِهَذَا كَانَ يُفْتِي ابْنُ عُمَرَ، صَحَّ أَنَّ آتِيًا أَتَاهُ فَقَالَ: نَذَرْت صَوْمَ يَوْمِ النَّحْرِ؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِوَفَاءِ النَّذْرِ، وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute