للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ فَتَنَاقَضُوا أَقْبَحَ تَنَاقُضٍ، لِأَنَّهُمْ أَجَازُوا تَقْدِيمَ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ بِثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ، وَتَقْدِيمَ زَكَاةِ الزَّرْعِ إثْرَ زَرْعِهِ فِي الْأَرْضِ، وَأَجَازُوا تَقْدِيمَ الْكَفَّارَةِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ بَعْدَ جِرَاحِهِ وَقَبْلَ مَوْتِهِ - وَتَقْدِيمَ كَفَّارَةِ قَتْلِ الْخَطَإِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَجْرُوحِ.

وَلَمْ يُجِيزُوا لِلْوَرَثَةِ الْإِذْنَ فِي الْوَصِيَّةِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ قَبْلَ وُجُوبِ الْمَالِ لَهُمْ بِالْمَوْتِ - وَلَا أَجَازُوا إسْقَاطَ الشَّفِيعِ حَقَّهُ مِنْ الشُّفْعَةِ بَعْدَ عَرْضِ شَرِيكِهِ أَخْذَ الشِّقْصِ عَلَيْهِ قَبْلَ وُجُوبِ أَخْذِهِ لَهُ بِالْبَيْعِ؛ فَظَهَرَ تَخْلِيطُهُمْ وَسُخْفُ أَقْوَالِهِمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَعُوذُ مِنْ الْخِذْلَانِ.

وَكُلُّهُمْ لَا يُجِيزُ الِاسْتِثْنَاءَ قَبْلَ الْيَمِينِ، وَلَا قَضَاءَ دَيْنٍ قَبْلَ أَخْذِهِ، وَلَا صَلَاةَ قَبْلَ وَقْتِهَا، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُنَا، وَقَوْلُ أَصْحَابِنَا الْمَانِعِينَ مِنْ تَقْدِيمِ كُلِّ حَقٍّ لَهُ وَقْتٌ قَبْلَ وَقْتِهِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: الْكَفَّارَةُ لَا تَجِبُ إلَّا بِالْحِنْثِ، وَهِيَ فَرْضٌ بَعْدَ الْحِنْثِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، فَتَقْدِيمُهَا قَبْلَ أَنْ تَجِبَ تَطَوُّعٌ لَا فَرْضٌ، وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُجْزِئَ التَّطَوُّعُ عَنْ الْفَرْضِ.

وَقَالُوا: قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: ١] وَالدَّلَائِلُ هَهُنَا تَكْثُرُ جِدًّا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ أَدِلَّةٌ صِحَاحٌ؛ وَنَحْنُ مُوَافِقُونَ لَهُمْ فِي أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ شَيْءٌ مِنْ الشَّرِيعَةِ قَبْلَ وَقْتِهِ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ -: أَحَدُهُمَا: كَفَّارَةُ الْيَمِينِ، فَجَائِزٌ تَقْدِيمُهَا قَبْلَ الْحِنْثِ، لَكِنْ بَعْدَ إرَادَةِ الْحِنْثِ وَلَا بُدَّ. وَالثَّانِي:

إسْقَاطُ الشَّفِيعِ حَقَّهُ بَعْدَ عَرْضِ الشَّفِيعِ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ أَوْ يَتْرُكَ قَبْلَ الْبَيْعِ، فَإِسْقَاطُهُ حَقَّهُ حِينَئِذٍ لَازِمٌ لَهُ فَقَطْ.

وَإِنَّمَا فَعَلْنَا ذَلِكَ لِلنُّصُوصِ الْمُخْرِجَةِ لِهَذَيْنِ الشَّرْعَيْنِ عَنْ حُكْمِ سَائِرِ الشَّرِيعَةِ فِي أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ وَلَا يَجُوزُ أَدَاءُ شَيْءٍ مِنْهَا قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي حَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ احْتَجَّ بَعْضُ مَنْ وَافَقَنَا هَهُنَا فِي تَصْحِيحِ قَوْلِنَا بِأَنْ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: ٨٩] .

قَالَ: فَالْكَفَّارَةُ وَاجِبَةٌ بِنَفْسِ الْيَمِينِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>