مَا فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ فِي أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ جَائِزًا فَهُوَ فِي الْآخَرِ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا غَيْرَ جَائِزٍ فَهُوَ فِي الْآخَرِ غَيْرُ جَائِزٍ. فَإِنْ احْتَجُّوا بِالْخَبَرِ الَّذِي فِيهِ: «إنَّ الْقَائِلَ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّهُ لَطَمَ وَجْهَ جَارِيَةٍ لَهُ وَعَلَيَّ رَقَبَةٌ أَفَأُعْتِقُهَا؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْنَ اللَّهُ؟ قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ، قَالَ: مَنْ أَنَا؟ قَالَتْ: رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّهَا - بِنَصِّ الْخَبَرِ - لَمْ تَكُنْ كَفَّارَةَ يَمِينٍ، وَلَا وَطْءٍ فِي رَمَضَانَ، وَلَا عَنْ ظِهَارٍ.
وَهُمْ يُجِيزُونَ الْكَافِرَةَ فِي الرَّقَبَةِ الْمَنْذُورَةِ عَلَى الْإِنْسَانِ، فَقَدْ خَالَفُوا مَا فِي هَذَا الْخَبَرِ، وَاحْتَجُّوا بِهِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ شَيْءٌ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: لَا تُجْزِئُ إلَّا مُؤْمِنَةٌ، وَإِنَّمَا فِيهِ: أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ، وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ عِتْقَ الْمُؤْمِنَةِ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنْ لَا يَجُوزَ عِتْقُ الْكَافِرَةِ، فَنَحْنُ لَا نَمْنَعُ مِنْ عِتْقِهَا.
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رَوَيْتُمْ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ «أَنَّ الشَّرِيدَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّيَ أَمَرَتْنِي أَنْ أُعْتِقَ عَنْهَا رَقَبَةً، وَعِنْدِي أَمَةٌ سَوْدَاءُ أَفَأُعْتِقُهَا؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اُدْعُ بِهَا؟ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ رَبُّكِ؟ قَالَتْ: اللَّهُ، قَالَ: فَمَنْ أَنَا؟ قَالَتْ: رَسُولُ اللَّهِ قَالَ: أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» فَهَذَا عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ لِأَنَّهُمْ يُجِيزُونَ فِي رَقَبَةِ الْوَصِيَّةِ كَافِرَةً، وَأَمَّا نَحْنُ فَلَوْ انْسَنَدَ لَقُلْنَا بِهِ فِي الْمُوصَى بِعِتْقِهَا كَمَا وَرَدَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَمَا لَا يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ كَافِرٌ كَذَلِكَ لَا يُعْتَقُ فِي الْفَرْضِ كَافِرٌ؟ قُلْنَا: هَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ هَذَا مِنْهُ عَيْنُ الْبَاطِلِ، لِأَنَّهُ دَعْوَى لَا تُقَابَلُ إلَّا بِالتَّكْذِيبِ وَالرَّدِّ فَقَطْ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ وَلَا رَسُولَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute