للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: سَمِعْت أَبَا شُرَيْحٍ الْكَعْبِيَّ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّكُمْ يَا مَعْشَرَ خُزَاعَةَ قَتَلْتُمْ هَذَا الْقَتِيلَ مِنْ هُذَيْلٍ وَإِنِّي عَاقِلُهُ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرَ، فَضَمِنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُمْ الدِّيَةَ بِغَيْرِ رَغْبَتِهِمْ فِي ذَلِكَ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ الضَّمَانُ إلَّا بِمَحْضَرِ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ، إلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْمَرِيضُ يَقُولُ لِوَرَثَتِهِ: أَيُّكُمْ يَضْمَنُ عَنِّي دَيْنَ فُلَانٍ عَلَيَّ فَيَضْمَنُهُ أَحَدُهُمْ - فَيَجُوزُ بِغَيْرِ مَحْضَرِ الطَّالِبِ.

وَهَذَا كَلَامٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ أَصْلًا.

وَاحْتَجَّ لَهُ بَعْضُ الْمُبْتَلَيْنَ بِتَقْلِيدِهِ أَنَّهُ عَقْدٌ كَالنِّكَاحِ وَالْبَيْعِ، فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِمَحْضَرِهِمَا جَمِيعًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ فَاسِدٌ - ثُمَّ إنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْفَسَادِ.

أَوَّلُ ذَلِكَ -: أَنَّهُمْ يَنْتَقِضُونَ مِنْ قُرْبٍ فَيُجِيزُونَ نِكَاحَ الصَّغِيرَةِ بِغَيْرِ مَحْضَرِهَا، وَيُجِيزُونَ الضَّمَانَ لِدَيْنِ الْمَرِيضِ بِغَيْرِ مَحْضَرِ صَاحِبِ الْحَقِّ.

ثُمَّ إنَّ الضَّمَانَ لَيْسَ عَقْدًا عَلَى الْمَضْمُونِ لَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الضَّامِنِ وَحْدَهُ وَإِنَّمَا لِلْمَضْمُونِ لَهُ إنْصَافُهُ مِنْ حَقِّهِ فَقَطْ، فَإِنْ أُنْصِفَ فِي مِثْلِ هَذَا، وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَرْضَ بِهِ، وَهُوَ بَاقٍ عَلَى حَقِّهِ كَمَا كَانَ - وَرَامُوا الْفَرْقَ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْمَرِيضِ وَغَيْرِهَا بِأَنْ قَالُوا: إنَّ الدَّيْنَ قَدْ تَعَيَّنَ فِي مَالِ الْمَرِيضِ.

قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ كَذَبُوا مَا تَعَيَّنَ قَطُّ فِي مَالِهِ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُجِيزُ ضَمَانَ دَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ إلَّا بِأَنْ يَتْرُكَ وَفَاءً - فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ جُمْلَةً. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الدَّيْنَ قَدْ هَلَكَ - وَأَجَازُوا الضَّمَانَ عَلَى الْحَقِّ الْمُفْلِسِ - وَالدَّيْنُ قَدْ هَلَكَ - وَهَذَا تَنَاقُضٌ.

فَإِنْ قَالُوا: قَدْ يَكْسِبُ الْمُفْلِسُ مَالًا؟ قُلْنَا: وَقَدْ يَطْرَأُ لِلْمَيِّتِ مَالٌ لَمْ يَكُنْ عُرِفَ حِينَ مَوْتِهِ - وَهَذَا مِنْهُمْ خِلَافٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُجَرَّدٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>