للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَنْ قَالَ - بِقَوْلِنَا فِي الضَّمَانِ عَنْ الْمَيِّتِ الَّذِي لَا يَتْرُكُ وَفَاءً: مَالِكٌ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ.

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مَكِّيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ نا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] قَالَ: «كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ أُتِيَ بِجِنَازَةٍ، فَقَالُوا: صَلِّ عَلَيْهَا؟ فَقَالَ: هَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَهَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ، ثَلَاثَةٌ دَنَانِيرَ، قَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ، فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَيَّ دَيْنُهُ؟ فَصَلَّى عَلَيْهِ» . فَفِي هَذَا الْخَبَرِ جَوَازُ ضَمَانِ دَيْنِ الْمَيِّتِ الَّذِي لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً بِدَيْنِهِ، بِخِلَافِ رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِيهِ: أَنَّ الدَّيْنَ يَسْقُطُ بِالضَّمَانِ جُمْلَةً، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْقُطْ عَنْ الْمَيِّتِ وَيَنْتَقِلْ إلَى ذِمَّةِ أَبِي قَتَادَةَ لَمَا كَانَتْ الْحَالُ إلَّا وَاحِدَةً، وَامْتِنَاعُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ قَبْلَ ضَمَانِ أَبِي قَتَادَةَ لِدَيْنِهِ، ثُمَّ صَلَاتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَيْهِ بَعْدَ ضَمَانِ أَبِي قَتَادَةَ: بُرْهَانٌ صَحِيحٌ عَلَى أَنَّ الْحَالَ الثَّانِيَةَ غَيْرُ الْأُولَى وَأَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي لَا يُتْرَكُ بِهِ وَفَاءٌ قَدْ بَطَلَ وَسَقَطَ بِضَمَانِ الضَّامِنِ، وَلَزِمَ ذِمَّةَ الضَّامِنِ بِقَوْلِ أَبِي قَتَادَةَ الَّذِي أَقَرَّهُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى دَيْنِهِ. فَصَحَّ أَنَّ الدَّيْنَ عَلَى الضَّامِنِ بَعْدُ لَا عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ.

وَفِيهِ أَيْضًا: جَوَازُ الضَّمَانِ بِغَيْرِ مَحْضَرِ الطَّالِبِ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ، وَإِذْ قَدْ سَقَطَ الدَّيْنُ بِالضَّمَانِ كَمَا ذَكَرْنَا فَلَا يَجُوزُ رُجُوعُهُ بَعْدَ سُقُوطِهِ بِالدَّعْوَى الْكَاذِبَةِ بِغَيْرِ نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ.

وَأَيْضًا: الْخَبَرُ الَّذِي رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَا حَمَّادُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ هَارُونَ بْنِ رِئَابٍ حَدَّثَنِي كِنَانَةُ بْنُ نُعَيْمٍ الْعَدَوِيُّ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ الْهِلَالِيِّ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: يَا قَبِيصَةُ إنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ» وَذَكَرَ بَاقِي الْخَبَرِ - فَعَمَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إبَاحَةَ تَحَمُّلِ الْحَمَالَةِ عُمُومًا بِكُلِّ حَالٍ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّهُ إنْ لَمْ يَرْضَ الْمَضْمُونُ لَهُ بِالضَّمَانِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا بِأَنْ يُوَفِّيَهُ أَيْضًا مِنْ حَقِّهِ فَلَيْسَ لَهُ حِينَئِذٍ إلَّا أَخْذُهُ مِنْهُ أَوْ تَرْكُهُ جُمْلَةً، وَلَا طَلَبَ لَهُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ بَعْدَهَا، فَلِأَنَّهُ صَاحِبُ الْحَقِّ، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِلُزُومِ تَرْكِ طَلَبِ غَرِيمِهِ، بَلْ الضَّمَانُ حِينَئِذٍ مَطْلٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>