للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهُ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» وَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يُعْطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَإِنْ أُنْصِفَ فَقَدْ أُعْطِيَ حَقُّهُ، وَمَنْ أُعْطِيَ حَقَّهُ فَلَا حَقَّ لَهُ سِوَاهُ.

فَإِنْ قِيلَ: فَأَنْتُمْ أَصْحَابُ اتِّبَاعٍ لِلْآثَارِ فَمِنْ أَيْنَ أَجَزْتُمْ الصَّلَاةَ عَلَى مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَا وَفَاءَ لَهُ بِهِ؟ قُلْنَا: سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ لَيْسَ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَهُمْ: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» بَيَانٌ فِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْمَخْصُوصُ بِهَذَا الْحُكْمُ وَحْدَهُ، لَا أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سِوَاهُ، لَا الْإِمَامُ وَلَا غَيْرُهُ؟ فَكَيْف وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُصَلِّي عَلَى رَجُلٍ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَأُتِيَ بِمَيِّتِ، فَقَالَ: عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ، دِينَارَانِ، فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ: هُمَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ قَالَ: أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ، فَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ» وَذَكَرَ الْخَبَرَ.

وَمِمَّنْ أَجَازَ الضَّمَانُ عَنْ الْمَيِّتِ الَّذِي لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً: ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَمَالِكٌ؛ وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو سُلَيْمَانَ - وَمَا نَعْلَمُ لِأَبِي حَنِيفَةَ سَلَفًا فِي قَوْلِهِ.

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَإِسْحَاقُ؛ وَأَحْمَدُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَمَالِكٌ فِي أَوَّلِ قَوْلَيْهِ: إنَّ لِلْمَضْمُونِ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ بِحَقِّهِ إنْ شَاءَ الضَّامِنُ، وَإِنْ شَاءَ الْمَضْمُونُ.

وَقَالَ مَالِكٌ فِي آخِرِ قَوْلَيْهِ: إذَا كَانَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ مَلِيًّا بِالْحَقِّ فَلَيْسَ لِطَالِبِ الْحَقِّ أَنْ يَطْلُبَ الضَّامِنَ، وَإِنَّمَا لَهُ طَلَبُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ فَقَطْ، إلَّا أَنْ يَنْقُصَ مِنْ حَقِّهِ شَيْءٌ فَيُؤْخَذُ مِنْ الضَّامِنِ حِينَئِذٍ، وَإِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ غَائِبًا، أَوْ يَكُونَ عَلَيْهِ دُيُونٌ لِلنَّاسِ فَيَخَافُ الْمَضْمُونُ لَهُ مُحَاصَّةَ الْغُرَمَاءِ فَلَهُ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَنْ يَطْلُبَ الضَّامِنَ [أَيْضًا] حِينَئِذٍ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا هَذَا الْقَوْلُ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ فَظَاهِرُ الْعَوَارِ، لِأَنَّهُ دَعَاوَى كُلُّهُ بِلَا بُرْهَانٍ، وَتَقْسِيمٌ بِلَا دَلِيلٍ، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلِ أَحَدٍ نَعْلَمُهُ مِنْ صَاحِبٍ أَوْ تَابِعٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>