للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ» فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ حُكْمُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، وَلَا أَنَّهُ حُكْمُ مَنْ لَمْ يَمْطُلْ بِدَيْنِهِ بَعْدَ طَلَبِ صَاحِبِهِ إيَّاهُ مِنْهُ.

وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ الْمُطَالَبَ بِدَيْنِهِ فِي الْآخِرَةِ إنَّمَا هُوَ مِنْ مَطْلٍ بِهِ وَهُوَ غَنِيٌّ، فَصَارَ ظَالِمًا، فَعَلَيْهِ إثْمُ الْمَطْلِ - أَعْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُعْسِرْ - وَإِنْ كَانَ حَقُّ الْغَرِيمِ فِيمَا يَتَخَلَّفُ مِنْ مَالٍ أَوْ فِي سَهْمِ الْغَارِمِينَ مِنْ زَكَوَاتِ الْمُسْلِمِينَ إنْ لَمْ يَخْلُفْ مَالًا.

وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ذَنْبَ الْمَطْلِ إذَا قُضِيَ عَنْهُ مِمَّا يَخْلُفُ أَوْ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ أَوْ قَضَاهُ عَنْهُ الضَّامِنُ فَفِي هَذَا جَاءَتْ الْأَحَادِيثُ فِي تَشْدِيدِ أَمْرِ الدَّيْنِ.

وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَمْطُلْ قَطُّ بِهِ، فَلَمْ يَظْلِمْ، وَإِذَا لَمْ يَظْلِمْ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ، وَلَا تَبِعَةَ، وَحَقُّ الْغَرِيمِ إنْ مَاتَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ فِيمَا يَتَخَلَّفُ، أَوْ فِي سَهْمِ الْغَارِمِينَ، وَالظَّالِمُ حِينَئِذٍ مَنْ مَطَلَهُ بَعْدَ مَوْتِ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ مِنْ وَرَثَةٍ أَوْ سُلْطَانٍ وَلَا إثْمَ عَلَى الْمَيِّتِ أَصْلًا، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] .

وَهُوَ لَمْ يَمْطُلْ فِي حَيَاتِهِ فَلَمْ يَظْلِمْ، وَإِذْ لَمْ يَظْلِمْ فِي حَيَاتِهِ فَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ الْإِنْصَافُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْإِقْرَارُ بِهِ فَقَطْ.

وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [وَبِهِ نَتَأَيَّدُ] .

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ فَأَعْظَمُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ لَوْ كَانَ لَهُمْ مَسْكَةُ إنْصَافٍ لِأَنَّ فِيهِ نَصًّا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلضَّامِنِ عَنْ الْمَيِّتِ: «حَقُّ الْغَرِيمِ عَلَيْكَ وَبَرِيءَ مِنْهُمَا الْمَيِّتُ، قَالَ الضَّامِنُ: نَعَمْ» أَلَيْسَ فِي هَذَا كِفَايَةٌ لِمَنْ لَهُ مَسْكَةُ دِينٍ أَوْ أَقَلَّ تَمْيِيزٍ؟ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ مَفْتُونُونَ.

فَإِنْ قِيلَ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ قَضَاهُمَا: «الْآنَ بَرَّدْتَ عَلَيْهِ جِلْدَهُ» ؟ .

قُلْنَا: هَذَا لَا مُتَعَلِّقَ فِيهِ فِي بَقَاءِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ، وَلَا فِي رُجُوعِهِ عَلَيْهِ لِأَنَّ نَصَّ الْخَبَرِ قَدْ وَرَدَ فِيهِ بِعَيْنِهِ: «أَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ بَرِيءَ مِنْ الدَّيْنِ وَأَنَّ حَقَّ الْغَرِيمِ عَلَى الزَّعِيمِ» فَلَا مَعْنَى لِلزِّيَادَةِ فِي هَذَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْآنَ بَرَّدْتَ عَلَيْهِ جِلْدَهُ» فَقَدْ أَصَابَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا أَرَادَ، وَقَوْلُهُ الْحَقُّ لَا نَشُكُّ فِيهِ، لَكِنْ نَقُولُ: إنَّهُ قَدْ يَكُونُ تَبْرِيدٌ زَائِدٌ دَخَلَ عَلَيْهِ حِينَ الْقَضَاءِ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ فِي حَرٍّ كَمَا تَقُولُ: لَقَدْ سَرَّنِي فِعْلُك، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ فِي هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>