الْفُرَاتِ، فَمَا الَّذِي جَعَلَ حُكْمَهُ هُنَالِكَ أَوْلَى مِنْ حُكْمِهِ هَاهُنَا لَوْ صَحَّ عَنْهُ فَكَيْفَ وَهُوَ بَاطِلٌ؟ نَعَمْ، وَقَدْ خَالَفُوا عَلِيًّا فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ نَفْسِهَا فَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: مَا جَنَى الْعَبْدُ مِنْ دَمٍ عَمْدًا فَلَيْسَ فِي رَقَبَتِهِ، وَلَا يَفْدِيه سَيِّدُهُ، وَلَا يَدْفَعُهُ، إنَّمَا هُوَ الْقَوَدُ، أَوْ الْعَفْوُ، أَوْ مَا تَصَالَحُوا عَلَيْهِ. وَمَالِكٌ يَقُولُ: جِنَايَةُ الْعَبْدِ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ إلَى سَيِّدِهِ - وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ: لَا يَلْزَمُ السَّيِّدُ أَنْ يَفْدِيَ عَبْدَهُ، وَلَا أَنْ يُسَلِّمَهُ، لَكِنْ يُبَاعُ فِي جِنَايَتِهِ فَقَطْ.
وَحَدِيثُ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ أَنَّ رَقِيقًا لِحَاطِبٍ سَرَقُوا نَاقَةً لِرَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةَ فَنَحَرُوهَا فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَأَمَرَ كَثِيرَ بْنَ الصَّلْتِ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ لِحَاطِبٍ: إنِّي أَرَاك تُجِيعُهُمْ لَأُغَرِّمَنَّكَ غُرْمًا يَشُقُّ عَلَيْك، ثُمَّ قَالَ لِلْمُزَنِيِّ: كَمْ ثَمَنُ نَاقَتِك؟ قَالَ: أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ قَالَ: فَأَعْطِهِ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ.
وَهُمْ يُخَالِفُونَ عُمَرَ فِي هَذَا.
فَلَيْتَ شِعْرِي مَا الَّذِي جَعَلَ بَعْضَ حُكْمِهِ فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ حَقًّا وَبَعْضُهُ فِي تِلْكَ الْقَضِيَّةِ نَفْسِهَا بَاطِلًا، إنَّ هَذَا لَهُوَ الضَّلَالُ الْمُبِينُ.
وَرِوَايَةٌ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ السَّلُولِيِّ الْأَعْوَرِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: جِنَايَةُ الْمُدَبَّرِ عَلَى مَوْلَاهُ - وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ السَّلُولِيَّ الْأَعْوَرَ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ فِي خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى؟ .
ثُمَّ قَدْ خَالَفُوا هَذِهِ الرِّوَايَةَ فَمَالِكٌ يَقُولُ: لَا يَغْرَمُ عَنْهُ سَيِّدُهُ مَا جَنَى، وَلَا يَدْفَعُهُ، وَإِنَّمَا الْحُكْمُ أَنْ يُسْتَخْدَمَ فِي جِنَايَتِهِ فَقَطْ.
وَكَذَلِكَ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ أَيْضًا فِيمَا جَنَى فِي الْأَمْوَالِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا، فَهُمْ أَوَّلُ مَنْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ، فَمَنْ أَقَلُّ حَيَاءً مِمَّنْ يَجْعَلُ مِثْلَ هَذَا إجْمَاعًا ثُمَّ لَا يَرَى صَوَابًا فَكَيْفَ سُنَّةً؟ فَكَيْفَ إجْمَاعًا؟ دَفْعَهُمْ كُلَّهُمْ أَمْوَالَهُمْ بِخَيْبَرَ عَلَى نِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ زَرْعٍ أَوْ تَمْرٍ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ، لَكِنْ يُقِرُّونَهُمْ مَا أَقَرَّهُمْ اللَّهُ، وَيُخْرِجُونَهُمْ إذَا شَاءُوا مُدَّةَ حَيَاةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute