قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مِمَّا جَرَوْا فِيهِ عَلَى الْكَذِبِ وَالْبَهْتِ وَالتَّوَقُّحِ الْبَارِدِ -: أَمَّا قَوْلُهُمْ: لَا يَخْلُو أَهْلُ خَيْبَرَ مِنْ أَنْ يَكُونُوا عَبِيدًا، فَكَيْفَ انْطَلَقَتْ أَلْسِنَتُهُمْ بِهَذَا، وَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا الْحُكْمِ؟ فَلَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ أَهْلَ الْعَنْوَةِ أَحْرَارٌ، وَأَنَّهُ إنْ رَأَى الْإِمَامُ إرْقَاقَهُمْ فَلَا بُدَّ فِيهِمْ مِنْ التَّخْمِيسِ، وَالْبَيْعِ لِقِسْمَةِ أَثْمَانِهِمْ.
ثُمَّ كَيْفَ اسْتَجَازُوا أَنْ يَقُولُوا: لَعَلَّهُمْ كَانُوا عَبِيدًا وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عُمَرَ أَجْلَاهُمْ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَنْ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِخْرَاجِ الْيَهُودِ عَنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ؟ فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَجِيزَ عُمَرُ تَفْوِيتَ عَبِيدِ الْمُسْلِمِينَ، وَفِيهِمْ حَظٌّ لِلْيَتَامَى وَالْأَرَامِلِ؟ إنَّ مَنْ نَسَبَ هَذَا إلَى عُمَرَ لَضَالٌّ مُضِلٌّ، بَلْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَرَادَ إجْلَاءَهُمْ فَرَغِبُوا فِي إقْرَارِهِمْ فَأَقَرَّهُمْ عَلَى أَنْ يُخْرِجَهُمْ إذَا شَاءَ الْمُسْلِمُونَ، وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ تَضْيِيعُ رَقِيقِ الْمُسْلِمِينَ.
وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونُوا عَبِيدًا لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَيْسَ لَهُ مِنْ الْمَغْنَمِ إلَّا خُمُسُ الْخُمُسِ وَسَهْمُهُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: وَالصَّفِيُّ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ: إنَّ جَمِيعَ مَنْ مَلَكَ عَنْوَةً عَبِيدٌ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.
ثُمَّ لَوْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مَا زَعَمُوا مِنْ الْبَاطِلِ - وَكَانُوا لَهُ عَبِيدًا - لَكَانَ قَدْ أَعْتَقَهُمْ بِلَا شَكٍّ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ نا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ نا زُهَيْرٌ - هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ الْجُعْفِيُّ - نا أَبُو إِسْحَاقَ - هُوَ السَّبِيعِيِّ - عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ [خَتْنِ رَسُولِ اللَّهِ] وَأَخِي أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ قَالَ «مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ مَوْتِهِ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَلَا عَبْدًا وَلَا أَمَةً وَلَا شَيْئًا إلَّا بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ، وَسِلَاحَهُ، وَأَرْضًا جَعَلَهَا صَدَقَةً» .
وَقَدْ قَسَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنْ أُخِذَ عَنْوَةً بِخَيْبَرَ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ نا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَزَا خَيْبَرَ» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ: «قَالَ: فَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً، وَجَمَعَ السَّبْيَ فَجَاءَهُ دِحْيَةُ فَقَالَ: يَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute